فالجواب: لا، ليس عدوانًا على الغير بل نقتلها ويغرم الفاعل للغير قيمتها، تقوم زانية أو غير زانية - يعني: البهيمة-؟ هل نقول: إننا نضمنه مثلها بمعنى أن نقول: ائت بشاة مثل هذه الشاة أو بعنز مثل هذه العنز؟ إن قلنا: إن الحيوان مثلي وهو الصحيح فإننا نضمنه مثلها ونلزم الفاعل أن يشتري مثلها ويعطيها مالكها، وإن قلنا: إن الحيوان غير مثلي - وهو المشهور من المذهب - فإنه يضمنها بالقيمة، لكن الصحيح أنه مثلي؛ لأنه يمكن أن نجد حيوانًا مماثلًا للآخر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استقرض بكرًا ورد خيارًا رباعيًا وقال: "خيركم أحسنكم قضاء".
1170 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ضرب وغرَّب، وأنَّ أبا بكرٍ ضرب وغرَّب، وأنَّ عمر ضرب وغرَّب". رواه التِّرمذيُّ، ورجاله ثقاتٌ، إلَّا أنَّه اختلف في وقفه ورفعه.
وهذا في البكر إذا زنى البكر فإنه يضرب؛ أي: يجلد مائة جلدة ويغرب؛ أي: ينفى عن بلده ولم يبين في هذا الحديث كم يغرب، لكن مر علينا أنه يغرب سنة كاملة، وذكر ضرب أبي بكر وعمر مع أننا نكتفي بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم للإشارة إلى أن هذا لم ينسخ، وأن عمل المسلمين بقي عليه، وهذه فائدة كبيرة، فلو ادعى مدَّعٍ أن التغريب نسخ أو أنه لا يعمل به؛ لأنه لم يذكر في الآية الكريمة؛ إذ إن الآية لم يذكر فيها إلَّا الجلد، قلنا: نرد عليه بمثل هذا أنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر.
وقول المؤلف: "اختلف في رفعه ووقفه"، القاعدة عند علماء المصطلح أنه إذا اختلف في الرفع والوقف فإنه يؤخذ بالرفع؛ لأن مع الرافع زيادة علم، وأنه لا منافاة في الحقيقة بين الوقف والرفع، فإن الراوي الذي يسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قد يتكلم به في مجلس من المجالس دون أن يسنده إلى الرسول فيسمعه من يسمعه فيظنه موقوفًا عليه والأمر ليس كذلك، فالحاصل: أنه لا تعارض بين الوقف والرفع ما دام الرافع ثقة كما سبق في ذكر الوصل والإرسال فإنه يؤخذ بالواصل؛ لأن معه زيادة علم.