ولم يقل: اقتلوه مع أن مقتضى السياق أن يؤتى بالضمير، ولكنه أظهر في موضع الإضمار ليحسن العطف في قوله: "والمفعول به" لأنه لو قال: فاقتلوه والمفعول به، ما حسن العطف، لكن إذا أظهر صار فيه أنه يحسن العطف عليه وهذه فائدة لفظية، وفيه أيضًا فائدة معنوية: وهي أن الإظهار في مكان الإضمار هنا يشير إلى علة الحكم وهي: "اقتلوا الفاعل" وهي الفعلة القبيحة التي صدرت منه.
"ومن وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه" وذلك للعلة السابقة؛ لأن فرج البهيمة لا يباح لبني آدم بأي حال من الأحوال، "اقتلوا البهيمة"، لأن في ذلك زجرًا له ومنعًا للعودة مرة ثانية إلى هذه البهيمة، ولئلَّا تحمل بحيوان يكون بعضه آدميًّا وبعضه بهيمة، ولئلَّا يعير بها.
فالفوائد إذن في قتل البهيمة ثلاث، وهذا الحديث يدل على قبح هاتين الفعلتين: إتيان الذكور وإتيان البهائم، واختلف العلماء - رحمهم الله - في صحة هذا الحديث من ضعفه والعمل به؛ فمنهم من قال: إن هذا الحديث ضعيف لا يحتج به، وعلى هذا فيبقى النظر في حد اللوطي وحد آتي البهيمة، ومنهم من قال: الحديث صحيح في الطرف الأول منه؛ يعني: إلى قوله: "والمفعول به"، ومنهم من قال: هو صحيح في الطرفين، لكن الطرف الثاني في قتل الفاعل بالبهيمة لوجود الشبهة فيه وهي اختلاف العلماء لا ينفذ.
في هذا الحديث فوائد: أولًا: وجوب قتل اللوطية فاعلًا كان أو مفعولًا به لقوله: "اقتلوا"، والقتل إعدام، ولا يمكن إعدام المعصوم إلَّا بشيء واجب؛ لأن عصمة المعصوم ثابتة ولا تنتهك إلَّا بشيء واجب وهذا هو القول الصحيح.
ومن فوائد الحديث: أنه يقتل الفاعل والمفعول به سواء كانا محصنين أو غير محصنين؛ أي: سواء سبق لهما الزواج أو لم يسبق لعموم الحديث، ولكن هل يشمل ما إذا كانا مكلفين أو غير مكلفين؟ الجواب: لا؛ لأن من شروط إقامة الحد أن يكون الفاعل لما يقتضي الحد بالغًا عاقلًا، وعلى هذا فلو وقع اللواط بين شخصين لم يبلغا فإنه لا يقام عليهما الحد، ولكنهما يعزران بما يردعهما وأمثالهما، وكذلك لو وقع بين مجنون ومجنون، أو مجنون وصغير، وقد اختلف العلماء في حكم هذه المسالة على ثلاثة أقوال، بل أربعة لكن الرابع ساقط.
القول الأول: "جوب قتل الفاعل والمفعول به، وهذا القول هو الصحيح المؤيد بالسُّنة وبعمل الصحابة - رضي الله عنهم -، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع الصحابة على قتل الفاعل والمفعول به في اللواط قال: إلَّا أنهم اختلفوا كيف يقتل.
القول الثاني: أن حده حد الزاني، وعلى هذا إن كانا محصنين رجما، وإن كانا غير - محصنين جللًا وغرِّبا.