ففي هذا الحديث فوائد منها: جواز إقرار الإنسان بالزنا على نفسه وطلبه أن يطهر، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على هذه المرأة، ولكن هل الأفضل أن يقر الإنسان على نفسه بالحد ليحد، أو الأفضل أن يستر على نفسه؟ فيه تفصيل، يقال: إذا كان الرجل يعلم من نفسه أنه سيتوب توبة حقيقية ولا يعود للذنب، فالأفضل أن يستر على نفسه، وإذا كان يخشى أن يعود لكثرة الفتن وضعف عزيمته فالأفضل أن يقر من أجل أن ترفع العقوبة عنه في الآخرة، وهل مجرد إقرار الإنسان عند القاضي يوجب الحد أو لا يوجب حتى يطلب أن يقام عليه الحد؟ الثاني، يعني: لو جاء الإنسان وأقر على نفسه بأنه زنى فإنه لا تجب إقامة الحد عليه حتى يطلب إقامة الحد، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقم الحد على ماعز، ولا على المرأة التي قالت: "أتريد أن تردني كما رددت ماعزًا" إلَّا بعد أن طلب إقامة الحد، أما مجرد الإقرار فإنه لا يعتبر طلِّبا لإقامة الحد.
ومن فوائد الحديث: جواز التصريح بما يستحيا منه عند الحاجة لقوله: "وهي حبلى من الزنا" لأن هذا يستحيا منه في العادة، لكن إذا دعت الحاجة للتصريح به فلا بأس، وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز: "أنكتها" لا يكني بذلك أي: لا يكنى عن ذلك.
ومن فوائد الحديث: جواز إطلاق المسبب على السبب لقولها: "أصبت حدًّا"، ويمكن أن يقال فيه أيضًا: جواز التكنية عما يستحيا منه؛ لأنها هي بنفسها لم تقل: إنها زنت، القائل الراوي، ففيه الإشارة إلى أنه ينبغي أن يكنى عما يستحيا منه، ولكن لو صرح فلا بأس.
ومن فوائد الحديث: أن من أقر بما يوجب الحد فإنه لا يجوز أن يساء إليه لا بالقول ولا بالفعل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لوليها: "أحسن إليها".
ومن فوائد الحديث: بيان قصور النساء، وأنه ما من امرأة إلَّا وينبغي أن يكون لها ولي، ويؤيد هذا قول الله تعالى: {الرِّجال قوامون على النِّساء} [النساء: 34].
ومن فوائد أحاديث: جواز رجم الزانية إذا وضعت الحمل بمجرد الوضع، هذا هو ظاهر هذا السياق، ولكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرجم الغامدية حتى أرضعت الولد وفطمته وهذا هو الذي أقره أهل العلم، وقالوا: إنه لا يجوز أن ترجم حتى تضع الولد وترضعه اللِّبا ثم إن وجد من يرضعه وإلَّا تركت حتى تفطمه، إذن لا يجوز أن ترجم وهي حامل؛ لأن في ذلك تعدٍّ على جنينها، وهو لم يفعل شيئًا، ثانيًا: أنه لا يجوز أن ترجم حتى تسقيه اللِّبا وهو أول رضعة تكون من الثدي، فإن هذا اللِّبا - بإذن الله - بمنزلة الدبغ للمعدة ينتفع به الصبي انتفاعًا كاملًا.