الفقهاء - رحمهم الله - أنه لا يقيم على رقيقه إلَّا الجلد فقط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها"، ولكن الصواب العموم، وأن له أن يقيمه بالجلد والقطع بشرط أن يكون عارفًا بمحل القطع وعارفًا كيف يقطع؛ لأنه إذا لم يكن عارفًا بمحل القطع فقد يقطع أكثر مما يطلب أو دون ما يطلب، وإذا لم يكن عارفًا بكيفية القطع فقد يقطع على وجه محرم فيعتدي به على هذا الرقيق فإذا كان عارفًا بمحل القطع وعارفًا كيف يقطع وتبين أنه فعل ما يوجب القطع فما المانع؛ لأن الضرر في هذه الحال على السيد؛ فإذا كان الضرر عليه وباشره بنفسه فلا نرين مانعًا من أن يقيمه عليه كما يقيم الجلد.
ومن فوائد الحديث: إثبات ملك الإنسان، وأن هذا لا ينافي قول الله تعالى: {ولله ملك السموات والأرض} [آل عمران: 189]. لأن ملك الإنسان لما يملك ليس كملك الله - سبحانه وتعالى للسموات والأرض، فإن ملك الله للسموات والأرض أعم وأوسع وأشمل يفعل ما يشاء عز وجل لكن ملكك لما تملك ضيق لا تملك إلَّا شيئًا يسيرًا مما في هذا الكون، ولا تملكه أيضًا على وجه الإطلاق، لو أردت أن تفعل فيه ما شئت لم تتمكن من هذا؛ إذ إنك لا تتصرف فيه إلَّا على حسب ما جاء به الشرع، ولهذا إذا قال إنسان: هذا المال مالي سأحرقه، قلنا: لا يجوز؛ لأن الشرع نهي عن إضاعة المال، لكن لله تعالى أن يفعل في خلقه ما يشاء، وحينئذٍ يكون قولنا: إن توحيد الربوبية هو إفراد الله عز وجل بالخلق والملك والتدبير لا ينافي ما ذكر.
ومن فوائد الحديث: إطلاق الجزء على الكل لقوله: "على ما ملكت أيمانكم".
قال: "وهو في مسلم موقوف" يعني: على عليَّ، والموقوف عند العلماء هو ما كان منتهي سنده الصحابي؛ يعني: ما أضيف إلى الصحابي فهو موقوف، وما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، والمضاف إلى الصحابي موقوف إلَّا أن يثبت له حكم الرفع، فإن ثبت له حكم الرفع صار مرفوعًا حكمًا، مثل: أن يخبر الصحابي عن شيء من أمور الغيب وهو ممن لم يعرف عنه الأخذ من بني إسرائيل فإن إخباره هذا له حكم الرفع.
فإذا قال قائل: إذا سقط كونه مرفوعًا فهل يسقط الاستدلال به إذا كان موقوفًا؟
فالجواب: لا؛ لأنه قول صحابي، قول أحد الخلفاء الراشدين، قول من غرف بالفقه والعلم وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيكون قوله حجة ما لم يخالف نصًّا أو صحابيًّا آخر، فإن خالف نصًّا فالعبرة بالنص، وإن خالف صحابيًّا آخر وجب أن نطلب المرجح، وهذه القاعدة في قول الصحابي: أن قول الصحابي المعروف بالفقه، ولاسيما الخلفاء الراشدون حجة بشرط ألَّا يخالف نصًّا أو قول صحابي، فإن خالف نصًّا وجب إطراحه، وإن خالف قول صحابي طلب المرجح.