فكما أن العاقل إذا رمى صيدًا فأصاب إنسانًا فإنه لا يقتص منه، فكذلك المجنون إذا قتل إنسانًا فإنه لا يقتص منه؛ لأنه لا يتصور منه العمد فيعامل معاملة المخطئ، هل يلحق بذلك السكران بمعنى: أن السكران لو قتل إنسانًا فإنه لا يقتص منه؟ هذا إن سكر ليقتل فلا شك أنه يقتل؛ لأن السبب محرم والمباشرة محرمة، وأما إذا سكر لا ليقتل، ولكن حصل منه الفعل ففي تضمينه نظر؛ أي: ففي القصاص منه نظر، وذلك لأنه غير عامد، والقصاص لا بد فيه من العمد.
ومن فوائد الحديث: جواز التوكيل في إقامة الحد؛ أي: أنه يجوز للإمام أن يوكل من ينفذ عنه إقامة الحد لقوله: "اذهبوا به فارجموه".
ومن فوائد الحديث: جواز توجيه الخطاب إلى العموم؛ لقوله: "اذهبوا به"، ولم يعين شخصًا، وإذا كان كذلك فإن إقامة الحد تكون من باب فرض الكفاية.
في بقية الحديث التي لم يسقها المؤلف أخذ بعض العلماء من الحديث أنه يجوز رجوع المقر في الحد؛ يعني: لو أقر الإنسان بالزنا وثبت عليه ثبوتًا شرعيًّا بإقراره سواء قلنا: المرة تكفي أو الأربع ثم رجع عن الإقرار فهل يقام عليه الحد؟ قال: بعض العلماء لا يقام عليه الحد استدلالًا بحديث ماعز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه؟ "، وقال بعض العلماء: إنه لا يقبل رجوعه عن الإقرار، ولا سيما إذا احتفت به قرائن؛ لأن ماعزًا لم يرجع لكنه هرب بخلاف الراجع، فإن الراجع متلاعب بالأحكام الشرعية ومتلاعب بالحكام مرة يقر ومرة ينكر الإقرار ويرجع، ثم إنه إذا احتفت به القرائن لا يتجه إطلاقًا القول بقبول الرجوع، مثال ذلك: رجل أقر على نفسه بالزنا فقلنا: كيف؟ قال: أخذت بنتًا من بيتها الفلاني في الزقاق الفلاني وركبت أنا وهي سيارة وذهبنا إلى مكان ما وعينه، وفعلت بها الفاحشة ثم رددتها، وكان ذلك في الليلة الفلانية من الشهر الفلاني، ثم أرانا الأثر، ثم رجع وقال: أنا رجعت عن إقراري هل يمكن أن تأتي الشريعة الحكيمة بقبول رجوع مثل هذا؟ أبدًا لا يمكن، نعم لو كان مجرد إقرار بأن قال: إنه زنى فهذا ربما يكون أقر بسبب ضغط عليه أو حياء أو خجل بأن يكون شهده أناس فرأى من نفسه أنه لا بد أن يقر فأقر، ولولا هذا لم يقر، هذا ربما نقول بقبول رجوعه مع أن في القلب من ذلك شيئًا، أما إذا صرح في إقراره بالزنا وذكر القرائن التي تشهد لما صنع ثم نقول: يرجع استدلالًا بحديث ماعز فهذا بعيد جدًّا، وحديث ماعز ليس فيه الرجوع بل فيه الإقرار، لكنه هرب من أجل أن الحجارة أزلقته وأراد أن يتوب فيتوب الله عليه.
* * *