وقوله: "وهو في المسجد" أي: جاءه وهو في المسجد، وقوله: "إني زنيت" هذا صريح في الزنا، والزنا هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر من آدمي، وقوله: "أعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه" يعني: التفت إلى ناحية أخرى، ولكن الرجل أعاد وقال ذلك مرة ثانية.

"فلما ثنى ذلك" أي: كرر ذلك أربع مرات دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "أبك جنون؟ " الاستفهام هنا استعلام، والجنون: هو تغطية العقل، وسمّي جنونًا؛ لأنه مأخوذ من الاجتنان وهو التغطية، وعلامة الجنون ألا يكون الإنسان متصرفًا تصرف العقلاء إما بمقاله أو بفعاله أو بحاله، وقوله: "هل أحصنت؟ " يعني: هل أحصنت فرجك، وحينئذٍ يكون الفعل متعديًا والمفعول محذوف، ويجوز: "هل أحصنت" بمعنى: هل كنت محصنًا فيكون الفعل لازمًا، والإحصان: هو الجماع، أن يجامع الرجل زوجته بنكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران، وقوله: "اذهبوا به فارجموه"، لما أقر على نفسه بالزنا وأنه قد أحصن، وسبق معنى الإحصان وهو أن يطأ الرجل زوجته الحرة البالغة في نكاح صحيح وهو كذلك حر بالغ.

فأوصاف الإحصان في باب حد الزنا خمسة: أن يكون كلٌّ منهما حرًّا، بالغًا، عاقلًا، ويطأها الزوج في نكاح صحيح، فقال: نعم، فقال: "اذهبوا به فارجموه"، "اذهبوا" أي: بهذا الرجل، فذهبوا به فرجموه، فلما شرعوا في رجمه وأزلقته الحجارة وذاق مسها هرب، فلحقه الصحابة حتى أدركوه فرجموه حتى مات، وإنما لحقه الصحابة امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "فارجموه" ولم يستثن، لم يقل: إلا أن يهرب أو كلمة نحوها حتى يتركوه، فهم أمروا أن يرجموه، ففعلوا - رضي الله عنهم - فرجموه، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه؟ "، ولكنه لم يضمنهم لأنهم فعلوا ذلك متأوِّلين، كما لم يضمن أسامة حين قتل المشرك الذي أسلم فعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أسامة وقال له: "أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله"، وما زال يكررها حتى تمنى أنه لم يكن أسلم بعد، ولم يضمنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان متأولًا كما لم يضمن خالد بن الوليد دية الذين قتلهم حين قالوا: صبأنا صبأنا، هو عرض عليهم الإسلام فقالوا: صبأنا صبأنا، ولم يعرف خالد رضي الله عنه أنهم أرادوا بقولهم: صبأنا، أي: دخلنا في الإسلام وتركنا ديننا، بل ظن أنهم يريدون أن يؤكدوا أنهم على دين يخالف الإسلام فقتلهم فلامه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ثم لم يضمنه ولكنه وداهم من بيت المال؛ لأنَّ خالدًا قتلهم متأولًا.

في هذا الحديث فوائد عديدة منها: أنه ينبغي الستر عن الإنسان باسمه إذا كانت الفائدة [تتحقق] بدون ذكر اسمه مأخوذة من هذا اللفظ الذي معنا وهو قوله: "أتى رجل من المسلمين"، مع أنه في بعض الروايات ضرّح باسمه، لكن بعض الرواة ربما يلاحظ أن الستر أولى فيعبر بهذا التعبير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015