بلدها وإلا فلا تغرب؛ لأن تغريبها لا يزيدها إلا شرًا، وإذا قدرنا أنه لا يوجد فيما حولنا إلا بلاد فاسدة معروفة بالخنا والفجور فهل نغربها إلى هذه البلاد؟ لا، لأننا لا يمكن أن نكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.
1160 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". رواه مسلم.
"خذوا" فعل أمر، و"عني" يعني: ما أقول، كررها تأكيدًا لأهمية الموضوع، "فقد جعل الله لهن سبيلًا"، "جعل" بمعنى: صيّر، ولذلك نصبت فعلين؛ لأن جميع أفعال التصيير تنصب مفعولين، فهنا يقول: {أو يجعل الله لهن سبيلًا} [النساء]، يشير إلى قوله تعالى: {والّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا- أي: الأربعة- فأمسكوهن في البيوت أو يجعل الله لهن سبيلًا} [النساء: 15]، فيشير بأن الله قد جعل سبيلًا بما أوحاه إلى نبيه في قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2]، هذا السبيل يقول: "البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة" يعني: إذا زنى البكر بالبكر فإن كل واحد منهما يجلد مائة وينفى سنة، وقوله: "البكر بالبكر" هذه إحدى الصور الأربعة الممكنة في ذلك وهي بكر ببكر، ثيب بثيب، بكر بثيب، ثيب ببكر، إذا زنى بكر ببكر فكما بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، إذا زنى ثيب بثيب فالرجم، إذا زنى بكر بثيب تبعَّض الحكم البكر جلد وتغريب كما سبق، والثيب رجم كما في الحديث السابق، إذا زنى ثيب ببكر كذلك تبعَّض الحكم يكون الزاني يُرجم والمزني بها تجلد وتُغرب.
قوله: "والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" فجمع النبي صلى الله عليه وسلم على الثيب بين عقوبتين الجلد والرجم، لكن قال العلماء: هذا في أول الأمر، أما في النهاية فإن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الرجم ولم يُحفظ عنه أنه جمع بين الرجم والجلد، وإن كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرى الرجم مع الجلد، لكنه قول مرجوح، إذن الحديث ليس فيه إلا صورتان: بكر ببكر وثيب بثيب، ونحن ذكرنا أربع صور.
في هذا الحديث فوائد: الفائدة الأولى: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الإبلاغ لقوله: خذوا عني خذوا عني" فكررها.
ومنها قول الواعظ أو المتكلم للناس: خذوا عني اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعد