الشاهد قوله: "فإن الخالة والدة" وهي بمعنى قوله: في الحديث الأول "بمنزلة الأم" لكن الحديث الثاني فيه ما يسمى عند البلاغيين: بالتشبيه البليغ وهو الذي حذفت فيه الأداة ووجه الشبه فهذا يسمى تشبيها بليغا وإن حذفت الأداة وحدها سمي مرسلا، وإن حذف وجه الشبه سمي مجملا.
1110 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين". متفق عليه واللفظ للبخاري.
لماذا صار الذي يلي الفعل منصوبا والآخر مرفوعا؟ لأن من باب تقديم المفعول على الفاعل وتقديم المفعول على الفاعل جائز ومنه قوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمت) [البقرة: 124]. وقوله: "وإذا أتى أحدكم خادمه بطعام". أي بطعام السيد "فإذا لم يجلسه فليناوله لقمة أو لقمتين"، يعني: فالأفضل أن يجلسه معه؛ لأن في ذلك فائدتين الفائدة الأولى: التواضع حيث يجعل الخادم يأكل معه.
والفائدة الثانية: جبر خاطر الخادم لأنه إذا أجلسه تفضل فإنه يجبر خاطره ولكن لو لم يفعل فلا حرج عليه لأن الخادم نفسه أيضا لا يكون في قلبه شيء على سيده إذا لم يجلسه معه لأنه يعرف نفسه أنه خادم ولكن يقول: بل يناوله لقمة أو لقمتين يعني: يعطه بعض الشيء، وهنا نسأل ما وجه مناسبة هذا الحديث لباب الحضانة؟ .
المناسبة لها عدة أوجه: منها: إذا كان الإنسان يلاطف الخادم هذه الملاطفة فملاطفته للمحضون من باب أولى، لأنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا وأرشدنا أن نلاطف الخدم وهم خدم فما بالك بالمحضون؟ ! فإذا جاء المحضون بالطعام فنقول: أجلسه معك أو ناوله لقمة وهذا أقرب ما يكون من المناسبة ومنها أنه إذا كان يجب علينا تغذية الأبدان فيمن ولانا الله عليه فتغذية الأرواح من باب أولى.
يستفاد من هذا الحديث فوائد: منها جواز استخدام الغير لقوله: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعام"، ويتفرع على هذه الفائدة أن ذلك ليس من باب الترف ولكن هل الأفضل أن يستخدم الغير، أو أن يخدم نفسه إلا لحاجة؟ الأحسن أن يخدم نفسه إلا لحاجة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غالب أحواله أنه يكون في مهنة أهله في البيت مع أن له خدما لكنه كان يباشر ذلك بنفسه.
ومن فوائد الحديث: أن الخادم مؤتمن على طعام السيد لقوله: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعام"، ولكن هل نأتمن الخدم على الطعام مطلقا؟ أو نقول: الأصل الائتمان ما لم يوجد سبب يغير هذا الأصل؟ الثاني، وبناء على ذلك نقول: لا يكن في قلبك شك مما يقدم إليك