ينقسم إلى قسمين إيجاز قصر وإيجاز حذف، أما إيجاز القصر فمعناه: أن تشتمل الجملة على معنى كثير بدون حذف، وأما إيجاز الحذف فمعناه: أن يحذف من الجمل ما يدل عليه الباقي، ومعلوم أنه إذا حذف من الجملة ما تحتاج إليه ولكن يدل عليه الباقي فإن ذلك إيجاز، والإيجاز بالحذف كثير في القرآن، وكذلك الإيجاز بالقصر- يعني: قصر العبارة- فقوله تعالى: {وجزاؤا سيئةٍ سيئةٌ مثلها} [الشورى: 40]. هذا إيجاز بالقصر، لو تكتب على هذه الآية مجلدات ما استوعبت صورها وقوله سبحانه وتعالى: {ولكم في القصاص حيوةٌ} [البقرة: 179]. هذا أيضًا إيجاز قصر، هذه الجملة لها معان كثيرة، وقد حاول بعض الناس أن يقارن بينها وبين كلمة مشهورة عند العرب يكتبونها بالذهب وهي: القتل أنفى للقتل فبين أن ما في القرآن أبلغ بكثير وذكر نحو عشرة أوجه على أنني لا أحبذ أن يقارن بين كلام الله وكلام الخلق؛ لأنه أجل وأعظم، لكن قد يجوز ذلك إذا كان الدافع عليه هو من باب أن يبين المقارن أن هذه الكلمة بل هذه الجملة اشتملت على معانٍ عظيمة.
الإيجاز بالحذف كثير في القرآن ومنه قصة موسى- عليه الصلاة والسلام- حينما قتل القبطي ثم خرج إلى مدين: {ولمَّا توجَّه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السَّبيل (22) ولمَّا ورد ماء مدين وجد عليه أمةً من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتَّى يصدر الرَّعاء وأبونا شيخٌ كبيرٌ (23) فسقى لهما ثمَّ تولَّى إلى الظِّلِّ فقال رب إنِّي لما أنزلت إليَّ من خيرٍ فقيرٌ (24) فجاءته إحداهما تمشي على استحياءٍ} [القصص: 22 - 25]. في هذا المكان حذف جمل، ما الذي حذف؟ حذف: فذهبت المرأتان إلى أبيهما وأخبرتاه الخبر فأرسل إحداهما إلى موسى فجاءته إحداهما تمشي على استحياء، هذا إيجاز بالحذف.
وكذلك الحال في الحديث الذي معنا، فيه إيجاز بالحذف، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "حرر رقبة"؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده حين فعل ما فعل، ولكن في الكلام شيء محذوفٌ تقديره فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "حرر رقبة" وقوله: "حرر" بمعنى: أعتق رقبة والرقبة هي المملوك من ذكر وأنثى وصغير وكبير ومؤمن وكافر وسليم ومعيب وعدل وفاسق وتقدم الكلام عليه. "فقلت: ما أملك إلا رقبتي" المعنى: ليس عندي شيء لا دراهم ولا متاع ليس عندي إلا رقبتي،