قالوا: والإيمان أصل العقود وأجلها وأشرفها، يزول بالكلام المحرم إذا كان كفرًا، فكيف لا يزول عقد النكاح بالطلاق المحرم الذي وضع لإزالته؟ !
قالوا: ولو لم يكن معنا في المسألة إلا طلاق الهازل، فإنه يقع مع تحريمه؛ لأنه لا يحل له الهزل بآيات الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يتخذون آيات الله هزوًا: طلقتك راجعتك، طلقتك راجعتك" فإذا وقع طلاق الهازل مع تحريمه، فطلاق الجاد أولى أن يقع مع تحريمه.
قالوا: وفرق آخر بين النكاح المحرم، والطلاق المحرم، أن النكاح نعمة، فلا تستباح بالمحرمات، وإزالته وخروج البضع عن ملكه نقمة، فيجوز أن يكون سببها محرمًا.
قالوا: وأيضًا فإن الفروج يحتاط لها، والاحتياط يقتضي وقوع الطلاق، وتجديد الرجعة والعقد.
قالوا: وقد عهدنا النكاح لا يدخل فيه إلا بالتشديد والتأكيد من الإيجاب والقبول، والولي والشاهدين، ورضا الزوجة المعتبر رضاها، ويخرج منه بأيسر شيء، فلا يحتاج الخروج منه إلى شيء من ذلك، بل يدخل فيه بالعزيمة، ويخرج منه بالشبهة، فأين أحدهما من الآخر حتى يقاس عليه؟ !
قالوا: ولو لم يكن بأيدينا إلا قول حملة الشرع كلهم قديمًا وحديثًا: طلق امرأته وهي حائض، والطلاق نوعان: طلاق سنة، وطلاق بدعة، وقول ابن عباس رضي الله عنه: الطلاق على أربعة أوجه: وجهان حلال، ووجهان حرام، فهذا الإطلاق والتقسيم دليل على أنه عندهم طلاق حقيقة، وشمول اسم الطلاق له كشموله للطلاق الحلال، ولو كان لفظا مجردًا لغوا لم يكن له حقيقة، ولا قيل: طلق امرأته، فإن هذا اللفظ إذا كان لغوًا كان وجوده كعدمه، ومثل هذا لا يقال فيه: طلق، ولا يقسم الطلاق- وهو غير واقع- إليه وإلى الواقع، فإن الألفاظ اللاغية التي ليس لها معان ثابتة لا تكون هي ومعانيها قسمًا من الحقيقة الثابتة لفظًا، فهذا أقصى ما تمسك به الموقعون، وربما ادعى بعضهم الإجماع لعدم علمه بالنزاع.
قال المانعون من الوقوع: الكلام معكم في ثلاث مقامات بها يستبين الحق من المسألة:
المقام الأول: بطلان ما زعمتم من الإجماع، وأنه لا سبيل لكم إلى إثباته ألبتة، بل العلم بانتفائه معلوم.
وقد ذكر رحمه الله من قبل أسماء من خالف في وقوع الطلاق وقالوا: إنه لا يصح.
المقام الثاني: أن فتوى الجمهور بالقول لا يدل على صحته، وقول الجمهور ليس بحجة.