- وفي روايةٍ أخرى للبخاريِّ: "وحسّبت تطليقة".
"حسيب": فعل ماضٍ مبني للمجهول يعني: لا يعرف فاعله "حسبت" من الذي حسبها؟ هل حسبها الرسول صلى الله عليه وسلم أو حسبها ابن عمر أو حسبها من روي عن ابن عمر أم من؟ يقول بعضهم: إن هذه الرواية مدرجة ليست من أصل الحديث، وإنما أدرجها بعض الرواة تفقهًا منه؛ لقوله: "مره فليراجعها ... إلخ" ولهذا جاء في رواية أبي داود بسند صحيح: "ولم يرها شيئًا ردها"، ما معنى: "ولم يرها شيئًا، ؟ يعني: لم يعتبرها، وقال الذين يقولون بوقوع الطلاق في الحيض: وإن قوله: "ولم يرها شيئًا" يعني: لم يرها شيئًا موافقًا للشرع، ولكن لا شك أن هذا خلاف ظاهر اللفظ.
1028 - وفي روايةٍ لمسلمٍ: قال ابن عمر: "أمَّا أنت طلَّقتها واحدةً أو اثنتين؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أراجعها، ثمَّ أمسكها حتَّى تحيض حيضةً أخرى، ثمَّ أمهلها حتَّى تطهر ثمَّ أطلِّقها قبل أن أمسَّها وأمَّا أنت طلَّقتها ثلاثًا، فقد عصيت ربَّك فيما أمرك به من طلاق امرأتك".
"يخاطب رجلًا يقول ... إلخ" يعني: إذا كنت طلقتها واحدة أو اثنتين فلك أن تراجعها، "فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني .... إلخ"، وذلك لأن المطلق مرة واحدة له أن يراجع والمطلق مرتين له أن يراجع ودليل ذلك قوله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروفٍ ... } الآية.
وظاهر هذه الرواية "أو اثنتين" أن الطلاق الواحدة والثنتين جائز وليس كذلك، فإن الثنتين إما مكروهتان أو محرمتان؛ لأن فيهما استعجال البينونة؛ لأن الرجل إذا طلق مرة بقي له ثنتان وإذا طلق مرتين بقي له واحدة، فيكون مستعجلًا البينونة حارمًا نفسه ما أعطاه الله. يقول: "وأما أنت طلقتها ثلاثًا فقد عصيت ربك .. إلخ"، "ثلاثًا" ليس المراد: الطلقة الثالثة؛ لأن هذا جائز، لكن مراده: طلقتها ثلاثًا فقلت: أنت طالق ثلاثًا، أو قلت: أنت طالق أنت طالق أنت طالق؛ "فإنك قد عصيت ربك ... إلخ"؛ وذلك لأن الطلاق إنما يكون مرة واحدة ثم مرة أخرى ثم مرة ثالثة بعد رجعة أو عقد جديد.
في هذا الحديث فوائد: أولًا: أن الأحكام قد تخفى على أهل العلم وذلك لخفاء التحريم الطلاق في الحيض على ابن عمر وعلى عمر. ومنها: أنه يجوز للإنسان أن يسأل عن فعل غيره أي عن حكمه ودليل ذلك أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فعل ابن عمر ولكن هذا يقيد بما إذا كان يسأل يريد أن ينصح صاحبه، أما إذا كان يريد أن يشمت به فهذا لا يجوز.