ألا يطلق الرجل امرأته وهي حائض؛ لأن هذا السؤال لا بد له من سبب وإلا لسكت عمر وأجرى الأمور على ما هي عليه.
وإنما قررنا ذلك لئلا يحتج محتج على وقوع الطلاق في زمن الحيض لكون النبي صلى الله عليه وسلم لا يستفصل المطلقين وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم بالمقال، وسيأتي ذلك في بيان حكم طلاق الحائض، فسأل عمر عن ذلك فقال: "مره فليراجعها" يعني: قل له راجعها، واللام في قوله: "فليراجعها" لام الأمر؛ ولهذا جزم الفعل بها وسكنت بعد الفاء، لأن لام الأمر تسكن بعد الفاء وثم والواو {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والأخرة فيمدد بسببٍ إلى السماء ثم ليقطع فلينظر} [الحج: 15]. {ثم ليقضوا تفثهم "مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر"، قوله: "فليراجعها" هل المراد بالمراجعة: المراجعة اللغوية، أو المراجعة الشرعية؟ على قولين للعلماء، فمنهم من قال: مراجعة هنا: المراجعة الشرعية، وهي لا تكون إلا بعد ثبوت الطلاق؛ لأن المراجعة الشرعية إعادة المطلقة على ما كانت عليه قبل الطلاق، ومن العلماء من قال: هي المراجعة اللغوية التي معناها إرجاع المرأة إلى ما كانت عليه أو ردها إلى بيتها وعليه الأول جمهور العلماء وعلى الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه في ذلك.
وسيأتي الخلاف في هذه المسألة وهي من أكبر مسائل الخلاف وأخطرها، ولهذا سوف نقرأ زاد المعاد بعدما ننهي شرح الحديث لأنه مهما "ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر"، يردها ويمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، وفي هذه الحال لا يجامع، بل يتركها بدون جماع فعلي، هذا لا بد أن تكمل الحيضة التي وقعت فيها الطلاق ثم الطهر الذي بعدها ثم الحيضة الثانية، فإذا جاء الطهر الثاني فهو بالخيار، ولهذا قال ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق، "أمسك" يعني: أمسكها عنده ولم يطلقها، و"طلق" يعني: طلاقًا جديدًا أو طلق الطلاق الأول، ينبني على الخلاف في المراجعة السابقة إن كانت مراجعة شرعية يعني كانت بعد وقوع الطلاق الأول فالطلاق هذا طلاق ثان، وإلا فالطلاق هو الأول، يعني ثم شاء طلق أي كرر الطلاق، ولكن يقول: قبل أن يمس أي قبل أن يجامع؛ لأنه لو جامعها بعد طهرها من الحيض وجب عليه أن ينتظر حتى تحيض ثم تطهر ثم يطلق، إذ إنه لا يجوز للرجل أن يطلق زوجته في طهر جامعها فيه.
يقول: "فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"، "فتلك" المشار إليه ما سبق من الكلمات أو الحكم "العدة التي .. إلخ"، وهنا يقول: "تلك العدة التي أمر"، وأنث الإشارة باعتبار المشار إليه وهو الخبر، ولهذا قال العلماء: إذا جاء اسم الإشارة بين مذكر ومؤنث فلك الخيار