مجراها الطبيعي، أما إذا خيف أن المرأة تقتل نفسها أو تحرق نفسها أو تجني على أحد أو تكفر بعد الإسلام فلا شك أن هذه الحالات توجب أن يلزم الزوج بأن يطلق ولا خسارة عليه إذا ردّ عليه مهره؛ لأن بعض النساء تقول لأهلها: "أنا إذا أجبرتموني على هذا الرجل سوف أقتل نفسي" وفعلاً وقع، فمثل هذه الحال لا يمكن أن تستقيم حَّتى لو أنها بقيت مع الزوج فهل تعيش معه عيشة سعيدة؟ أبدًا لا هو ولا هي؛ لأنه سيبقى معها في شقاق ومعارضات لا نهاية لها، أما المشهور من المذهب فإنه لا يلزم ويشار عليه ويبين له الأمر فإن أجاز وإلا ترك.

ومن فوائد الحديث: أن حرف الجواب يغني عن الجملة لقوله: "أتردين عليه حديقته؟ "، قالت: "نعم"، ولهذا إذا قيل للرجل: أطلَّقت امرأتك؟ قال: "نعم" طلقت، أعتقت عبدك؟ قال: "نعم" عتق، أوقفت بيتك؟ قال: "نعم صار وقفًا، أقبلت البيع؟ قال: "نعم" فقد قبل البيع.

ومن فوائد الحديث: مشورة ولي الأمر على أحد الخصمين أو على أحد المتداعيين بما يراه أنه أفضل وأصلح، ولقوله: "اقبل الحديقة وطلِّقها تطليقه"؛ لأن بقاءه معها وهي على هذه الحال لاشك أنه ضرر عليه وعليها، هذا إذا قلنا: إن الأمر هنا للإرشاد، أما إذا قلنا: إنه للإلزام فيستفاد منه إلزام الزوج بالخلع؛ يعني: بالمخالعة إذا كرهت المرأة البقاء معه وأعطته ما دفع إليها، وإلي هذا ذهب بعض أهل العلم وقالوا للقاضي أن يلزم الزوج بالخلع إذا لم تستقم الحال.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا كان الشقاق من طرف واحد فلا حاجة إلى إقامة الحكمين، والحكمان إنما يكونون فيما إذا كان الشقاق من الطرفين لقوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدًا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا} [النساء: 35]. وهنا الشقاق من طرف واحد وهو الزوجة، أما الزوج فهو يريدها.

ومن فوائد الحديث: أن الخلع يصح أن يقع بلفظ الطلاق لقوله: "طلِّقها تطليقه"، وإذا وقع بلفظ الطلاق فهل يكون خلعًا؛ يعني: حكمه حكم الخلع فلا يحسب من الطلاق ولا رجعة فيه، أو هو إذا وقع بلفظ الطلاق كان طلاقًا؟ في هذا للعلماء قولان:

الأول: أن الخلع فسخ مطلقًا سواء وقع بلفظ الطلاق أو بلفظ الخلع أو بلفظ الافتداء فإنه يكون فسخًا وإذا كان فسخًا؛ فإنه لا ينقص به عدد الطلاق ولا يكمل به عدد الثلاث، فإذا كان طلَّقها مرتين من قبل ثمَّ خالعها فإنها لا تبين منه بينونة كبرى؛ لأن الخلع فسخ وليس بطلاق وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: إن الخلع فسخ سواء وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو الافتداء أو الطلاق أو غير ذلك، وأيد كلامه بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عدَّة امرأة ثابت بن قيس حيضه، ولو كان طلاقًا لكانت عدتها ثلاث حيض، وأيد قوله أيضًا بأن العبرة في الألفاظ بمقاصدها، فهو وإن قال: طلَّقها فالمراد المخالعة، والعبرة في الألفاظ بالمقاصد دون الألفاظ وعلل ذلك أيضًا بأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015