كتاب الطهارة
بأقوى الناس ذوقا إذا لم يكن موسوسا، ولونه واضح: أيضا إدراك اللون يختلف الناس فيه، أليس كذلك من الناس من نراه قويا، ومن الناس من نراه غير قوي، فإذا أثبت أحدهم أنه تغير بشرط ألا يكون ذا وسواس؛ فإنه يحكم به.
هذا الحديث إذا نظرنا إليه وجدنا أنه لابد أن يتغير الماء بالأوصاف الثلاثة وهي: الريح، والطعم، واللون فهل هذا المراد؟ استمع إلى المؤلف ماذا يقول:
-وللبيهقي: "الماء طهور إلا أن تغير ريحه، أو طعمه، أو لونه بنجاسة تحدث فيه".
فبين في هذه الرواية أنه إذا تغير أحد الأوصاف ثبت الحكم، دليل ذلك قوله: "أو"، و "أو" هنا للتنويع بخلافها في رواية ابن ماجة؛ فإنه ذكره بالواو الدالة على الجمع، وعلى هذا فنقيد رواية ابن ماجه برواية البيهقي، ونقول إذا تغير الريح أو الطعم أو اللون بالنجاسة حكم بنجاسته.
في هذا الحديث فوائد، منها: أن الأصل في الماء الطهارة، وأنه لا يحكم بنجاسته إلا بالتغير.
ومنها: تقييد حديث أبي سعيد السابق؛ لأن حديث أبي سعيد مطلق، وهذا مقيد بماذا؟ بما إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه.
ومنها: أن الأدلة من الكتاب والسنة يحمل بعضها على بعض؛ لأنها خرجت من مشكاة واحدة، ولا يمكن أن نجعلها متفرقة متوزعة، فنكون ممن جعل القرآن عضين، بل نقول: إن القرآن يقيد بعضه بعضا ويخصص بعضه بعضا، وكذلك السنة، وهذا أمر متفق عليه، لكن قد يختلف العلماء في بعض الأشياء لسبب من الأسباب، وإلا فإن العلماء مجمعون على أن الشريعة واحدة، وما أطلق منها في موضع وقيد في موضع وجب اعتباره مقيدا.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الماء إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه تغيرا ظاهرا بينا، انتقل من الطهورية إلى النجاسة.
ومن فوائده: أن الماء ينقسم إلى قسمين فقط: طهور، ونجس، وليس ثمت قسم ثالث يسمى طاهرا خلافا لما عليه كثير من الفقهاء من أن الماء إما طهور أو طاهر أو نجس، فإن كان طاهرا بنفسه مطهرا لغيره فهو طهور، وإن كان نجسا بنفسه منجسا لغيره فهو نجس، وإن كان طاهرا بنفسه ولكنه لا يطهر فإنه يكون طاهرا غير مطهر، ولكن هذا التقسيم أمر مهم لو كان من شريعة الله لكان مبينا في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم: لأن هذا يترتب عليه أمور عظيمة، ماذا يترتب