وإذا لم يكن محسنا فهل الأصل الرد أو الرد دعوة؟ الرد دعوة والدعوة تحتاج إلى بينة؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»، ما يفعله الناس الآن في إعطاء الدراهم البنوك وتسميتها وديعة هل هذا صحيح؟ لا، لأن هذه الدراهم التي يعطونها البنوك يعطونها إياهم على أنهم يدخلونها في صندوق البنك يتصرف فيها، والعبرة في الأمور بحقائقها لا بألفاظها، وحقيقة هذا الأمر أنه إذا أعطاك الشخص دراهم وأدخلتها في جملة مالك وانتفعت - حقيقة هذا الأمر- أنها قرض، ولهذا لا يصح أن تُسمى هذا وديعة، الناس يقولون إيداع إيداع، وهو ليس إيداعًا إنما هو إقراض، ولذلك لو أن البنك احترق وتلف ما فيه حتى مالك الذي أعطيته إياه كما إذا أعطيته إياه بعد العصر واحترق بعد المغرب يعني: أنتا تيقنًا أن المال الذي أعطيته إياه دخل في الحريق، فهل يضمنه؟ يضمنه، ولو كان وديعة لم يضمنه، لهذا لا يصح أن نسمى هذا وديعة، تُسميه قرضا، وقد نصر على هذا أهل العلم، وقالوا: لو أن صاحب الوديعة أذن للمودع في التصرف فيها انقلبت إلى قرض بعد أن كانت وديعة، والقرض يختلف عن الوديعة كثيرًا.
قال المؤلف:
وباب قسم الصدقات تقدم في آخر الزكاة، وباب قسم الفيء والغنيمة يأتي عقب الجهاد
- إن شاء الله تعالى -.
كأنه (رحمه الله) نبَّه على هذا؛ لأن الشافعية يذكرون في كتبهم قسم الصدقات وقسم الفيء والغنيمة كليهما في هذا الموضع، فكأن المؤلف اعتذر عن ذلك بأن قسم الصدقات سبق، وأن قسم الفيء والغنيمة يأتي في باب الجهاد.
مِن فوائد هذا الحديث: جواز الإيداع، لقوله: «من أودع وديعة».
ومنها: جواز الاستيداع، يعني: قبول الوديعة؛ لقوله: «من أودع»، وجه الدلالة من ذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رتب علي هذا الفعل حكمًا شرعيًا فقال: «فليس عليه ضمان»، وما ترتب عليه حكم شرعي فهو صحيح، فيكون هذا الحديث دالّاً على جواز الإيداع والاستيداع.
ومن فوائد الحديث: أنه ليس على المودع ضمان؛ لقوله: «ليس عليه ضمان» والتعليل لأنه محسن، وقد قال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، ولهذا لو خرجت يده عن الإحسان وتعدَّى أو فرَّط صار عليه ضمان.