والثالث: أن يكون إسناده متصلا. ... والرابع: أن يكون سالما من الشذوذ.
والخامس: أن يكون سالما من العلة القادحة.
خمسة شروط هذا هو الصحيح، فإن اختل بتمام الضبط- بأن كانت الشروط تامة إلا تمام الضبط- فيكون الرواة أو أحدهم عنده خفة في الضبط انتقل من الصحة إلى الحسن وصار حسنا، فإن اختلت العدالة فهو ضعيف، وإن اختل الضبط كله فهو ضعيف، وإن اختل اتصال السند فهو ضعيف، وإن اختلت السلامة من الشذوذ فهو ضعيف، وإن اختلت السلامة من العلة القادحة فهو ضعيف، حتى لو فرض أن الحديث روي في كتاب يعتبر من الكتب الصحيحة، ومن ذلك مثلا ما رواه مسلم في صفة صلاة الكسوف أن الرسول صلى الله عليه وسلم "صلى ثلاث ركعات في كل ركعة". فهذا وإن كان في صحيح مسلم فإنه شاذ لعدول البخاري عنه، واتفاق البخاري ومسلم على أن في كل ركعة ركوعين، وقد أجمع المؤرخون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الكسوف إلا مرة واحدة، وعلى هذا فيحكم على ما سوى الركوعين في كل ركعة بأنه شاذ.
ومن ذلك أيضا ما رواه مسلم في حديث المعراج حيث إنه رواه عن شريك، وقدم فيه وأخر فيعتبر هذا المخالف لما اتفق عليه الإمام البخاري ومسلم شاذا؛ ومن ذلك - على القول الراجح- "أفلح وأبيه إن صدق". فإن قوله: "وأبيه" لم ترد في البخاري إنما وردت في إحدى روايات مسلم وعلى هذا فتكون شاذة.
على كل حال: الشذوذ في الحقيقة وإن كان مخرجا في كتاب صحيح، فإن الوهم وارد على كل إنسان ليس كل أحد معصوما من كل وهم. لابد أيضا أن يسلم من العلة القادحة وهي التي تقدح في أصل الحديث أو في سند الحديث، وأما غير القادحة فإنها لا تضر، ومن غير القادحة: اختلاف الرواة في مقدار ثمن جمل جابر، واختلافهم أيضا في مقدار ثمن القلادة التي في حديث فضالة بن عبيد هل هو اثنا عشر دينارا أو أقل أو أكثر، هذا لا يضر؛ لأن العلة غير قادحة، المهم الصحيح إذا قيل ما هو الصحيح في اصطلاح المحدثين؟ قلنا: ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل وسلم من الشذوذ ومن العلة القادحة، فإذا اختل تمام الضبط وباقي الشروط موجودة فهو الحسن، وإن اختلت بقية الشروط فهو الضعيف.