بالمال والبنين لا يدل على أنهم خير القرون؛ لأنه بلا شك خير القرون هم الصحابة ومع هذا فهذه حالهم في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز إخبار الإنسان عن نفسه وإن كان الإخبار يدل على البؤس؛ لقوله: "وكان طعامنا الشعير"، والإنسان إذا أخبر بما يفيد البؤس عن نفسه فلا يخلو إما أن يكون المقصود مجرد الخبر، أو يكون المقصود التسخط على القدر، أو يكون المقصود التشكي إلى المخلوق، فأما الأول فلا بأس به، وقد قال لوط عليه الصلاة والسلام للملائكة: {وقال هذا يوم عصيب} [هود: 77]. وأما الثاني الذي يقصد به التسخط ولوم القدر فإن هذا لا يجوز، قال الله تعالى في الحديث القدسي: «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر مقلب الله والنهار»، وأما الثالث- وهو الذي يقصد به التشكي إلى المخلوق- فهذا أيضاً لا يجوز؛ لأن المخلوق لا يرحمك، والله يرحمك، ولهذا قيل: [الكامل]
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
وهذا صحيح، والإنسان لا يجوز له أن يشكو الخالق إلى أحد، فكيف إذا شكاه إلى مخلوق ضعيف؟ هذا المخلوق لو أصيب بمثل مصيبتك لا يستطيع أن يزيل عن نفسه ذلك.
803 - وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: «اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً، فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تباع حتى تفصل». رواه مسلمٌ.
قوله: "يوم خيبر" يعني: يوم فتح خيبر، وكانت خيبر حصوناً ومزارع لليهود تقع في الشمال الغربي من المدينة على بعد نحو مائة ميل، وقد فتحها النبي صلى الله عليه وسلم في عام ستة من الهجرة، ولما فتحها طلب منه اليهود أن يبقيهم عمالاً فيها لأنهم أهل حرس وزرع، على أن يكون لهم الشطر وللنبي صلى الله عليه وسلم الشر، فوافقهم على هذا؛ لأن الذين معه من المهاجرين والأنصار مشغولون معه بمصالح المسلمين من الجهاد وغيره؛ ولأن هؤلاء أهل حرس وزرع فهم أعلم بحروثهم وزروعهم، المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غنم منها مغانم، منها الذهب، فكانت هذه القلادة مما غنم فبيعت باثني عشر ديناراً وهذه رواية مسلم.
وقد اختلفت الروايات في مقدار الثمن الذي بيعت به اختلافاً كثيراً، حتى إن بعضهم ادعى أن الحديث ضعيف لاضطرابه؛ لأن اضطراب الرواة في نقل الحديث يؤدي إلى ضعفه إذا لم