فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل»، ومن المعلوم أن الذي يحرم صاعا بصاعين من التمر تأبى حكمته أن يحل لك أن تقول بعتك هذين الصاعين بعشرة دراهم فأعطني بها صاعا من التمر الطيب! ! هذا تلاعب، فليس في الحديث دليل على ما ذهبوا إليه، لأنه مطلق، والمطلق يجب أن يقيد بما دلت عليه النصوص من تحريم الحيلة.

ومن فوائد الحديث: جواز اختيار الأجود من المأكولات وأنه لا ينافي الزهد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الرجل على اختيار التمر الجيد ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل: لا، فاختيار الأجود من الأنواع لا شك أنه جائز لهذا الحديث، ولم يناف الزهد؛ لأن الزهد حقيقة ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يضر في الآخرة، فالزهد يترك كل شيء لا ينفعه في الآخرة.

فإن قال قائل: إذا قلنا: إن اختيار الأجود من المأكولات لا ينافي الزهد فهل يمكن أن نحوله إلى زهد؟

فالجواب: نعم، إذا صد الإنسان التعبد بهذا المأكول الطيب لمنة الله به عليم وليعرف منة الله بذلك صار عبادة فصار نافعا في الآخرة.

ومن فوائد هذا الحديث: جريان الربا في الذهب والفضة إذا خصصنا لفظ "الميزان" بهما أو في كل موزون إذا قلنا بالعموم، وأنه لا يجوز التفاضل.

ومن فوائد الحديث: الرد على الذين قالوا بجواز الربا إذا لم يشتمل على ظلم، حيث عللوا تحريمه بأنه ظلم وقالوا: إذا انتفت العلة انتفى الحكم وبنوا على هذا جواز الربا للاستثمار لا للاستغلال من أين يؤخذ؟ من أن هذه المعاملة أخذ منه صاع طيب ورد عليه صاعان رديئان، وكذلك باذل الزيادة لم يظلم، لأنه يرى أن أخذ الصاع الطيب بالصاعين كسب له وليس فيه ظلم له، فدل هذا على أن الربا ممنوع سواء وجدت العلة التي من أجلها ثبت الحكم أم لم توجد، وهذا الحديث لا شك أنه يدمغ هؤلاء الذين قالوا بالجواز إذا كان الربا من أجل الاستثمار وتنمبة الاقتصاد كما زعموا، فنقول: هذا الحديث ليس فيه ظلم بل فيه اختيار.

ومن فوائد الحديث: أن الله سبحانه إذا حرم على عباده شيئا فتح لهم بابا للحل، بل إننا نقول: إن أبواب الحل أكثر من أبواب المنع أخذا من قوله -سبحانه وتعالى- فيما كتب عنده: "إن رحمتي سبقت غضبي"، فالغضب يترتب عليه المنع كما حرم الله على الذين هادوا بسبب ظلمهم: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} [النساء: 160]. والرحمة سبب السعة والحلم، وباب المباحات في المعاملات أكثر من باب المحرمات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015