فقد يظن الرائي أن العيب كثير ويخفى عليه السلم، الطريقة الثانية: أن يجعل المعيب وحده والسليم وحده بحيث يكون للمعيب ثمنه وللسليم ثمنه، ولا شك أن الثاني هذا عدل للبائع وللمشتري.
فإذا قال قائل: لماذا لم يرشد النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إليه؟
فالجواب: لوضوحه، ولعل النَّبي صلى الله عليه وسلم علم أن هذا الرجل ليس عنده إناءان يبحث يجعل الردئ وحده والجيد وحده.
ومن فوائد الحديث: تحريم الغش لقوله: "من غشّ فليس منا".
بل من فوائده: أن الغشّ من كبائر الذنوب، وجهه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فاعله، والبراءة من فاعله تقتضي أن يكون كبيرة؛ لأن علامات الكبيرة أن يتبرأ النَّبي صلى الله عليه وسلم من فاعل هذا العمل.
ومن فوائد الحديث: أن الغش في كل شيء من كبائر الذنوب لعموم قوله: "من غش فليس مني".
ومن فوائده أيضًا: أن الغش كبيرة سواء كانت المعاملة مع مسلم أو مع كافر لقوله: "من غش" أطلق.
وهناك رواية أخرى: "من غشنا فليس مني" فبأيهما نأخذ؟ نأخذ بالأعم: "من غش" فيشمل الغش في معاملة أي إنسان، فإن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قد تبرأ منه.
إذا قال قائل: لم يبين النَّبي صلى الله عليه وسلم حكم المغشوش فيما لو اشترى هذا الطعام.
والجواب: أنه لم يحصل بيع لهذا الطعام؛ لأن صاحبه لم يزل عارضًا له، ولا يمكن أن يتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحال عن أمر لم يقع، ثم إنه إذا علم هذا الرجل أن هذا الشيء حرام، فسوف يغيره وسوف يجعل الردئ فوق، كما أرشد النَّبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الشيء إذا لم يكن أمام الإنسان فلا يلزم الإنسان السؤال عنه، ولذلك لما جاء ماعز إلى الرسول وأخبره أنه زنى فإنه من المعلوم أنه لم يزن إلا بامرأة ولم يسأل النَّبي صلى الله عليه وسلم المرأة، ولما جاءه الرجل الذي قال: جامعت زوجتي في رمضان لم يسأله عن المرأة وحكمها، ولما جاءته هند تشكو أبا سفيان لم يسأل عنه ولم يطلبه؛ لأن مثل هذه المسائل تتعلق بالفعل الشاهد، وأما الغائب فحكمه يعلم إذا وجد أو أدلى هذا الغائب بحجته حينئذ ننظر فيها.