كذلك تسويد شعر الجارية التي ابيض شعرها من الكبر، فيسوده ليظن الرائي أنها شابة وهي من القواعد اللاتي لا يرجون النكاح.

كذلك أيضًا إذا كانت السيارة مصدومة عدة صدمات فسمكرها وطلاها باللون الموافق للونها الأصلي، فيظن الرائي أنها جديدة فيزيد في قيمتها وهي قديمة مصدومة.

من ذلك أيضًا أن يلبس البيت عند بيعه ليظن الظان أنه جديد، المهم الضابط في هذا إظهار السلعة بصفة مرغوب فيها وهي خالية منها.

من ذلك أيضًا إذا أراد أن يبيع رقيقًا نثر على ثوبه حبرًا لماذا؟ ليظن أنه كاتب، ثم إن التدليس بعضه قريب وبعضه بعيد، يعني: كون هذا الرقيق على ثوبه حبرًا ليس من لازمه أن يكون كاتبًا، لكن قد يظن الظان أنه كاتب، وكذلك أيضًا تسويد اللحية إذا أراد أن يبيع رقيقًا فيظن أنه شاب، قصَّ لحيته من اليمين والشمال والأسفل ثم سوَّدها حتى يراه الرائي وكأنه شاب، على كل حال: الضابط عندنا هو أن يظهر السلعة بصفة مرغوب فيها، وهي خالية منها في الحقيقة.

وقوله: "فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين" أي: بما يرى أنه خير له إما الإمساك وإما الردّ.

وقوله: "بعد أن يحلبها" لم يذكر في هذه الرواية المدة التي تضرب له، لكنه في الرواية الأخرى التي في مسلم قال: "فهو بالخيار ثلاثة أيام" منذ حلبها، وتنظر هل هذا اللبن الموجود في ضرعها حين الشراء هو اللبن الحقيقي أو لا؟ وثلاثة الأيام تبين بها طبيعة هذه البهيمة هل لبن طبيعي أو لبنها محفل يعني مجموع، ولهذا قال: ضرب له ثلاثة أيام، قال: إن شاء أمسكها، وظاهره أنه يمسكها بلا أرش؛ لأن هذا ليس عيبًا، ولكنه فوات الصفة، وهناك فرق بين فوات الصفة وبين العيب؛ لأن العيب نقص، وفوات الصفة فوات كمال، والعيب قد علمنا أن المشتري يخير بين أن يردّ السلعة وأن يقوِّم له العيب، الذي يسمى الأرش؛ لأنه عيب ونقص، أما فوات الصفة الكمالية فإن المشتري يخير بين أن يفسخ أو يمسك مجانًا، ولهذا قال: إن شاء أمسكها، يعني: بدون أن يعطى أرش، وإن شاء ردّها وصاعًا من تمر ردها على البائع وصاعًا من تمر، وفي رواية البخاري المعلقة ووصلها مسلم: "صاعًا من طعام لا سمراء"، قال البخاري: "والتمر أكثر"، يعني: أكثر الروايات: "صاعًا من تمر"، والصاع هو مكيال معروف، وه يسع من البرّ الرزين ما زنته كيلوان وأربعون غرامًا، وقوله: "من تمر" أيضًا التمر معروف، وهذا الصاع عوض عن اللبن الذي كان في ضرعها حين العقد، وليس عوضًا عن اللبن الذي تدر بعد الشراء؛ لأن اللبن الذي تدرّ بعد الشراء يكون على ملك المشتري فلا يضمن، وأما اللبن الذي كان موجودًا في ضرعها حين البيع فهو ملك البائع، وقد استهلكه المشتري وحلبه، فقدر له النَّبيّ صلى الله عليه وسلم "صاعًا من تمر".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015