فكما لا يجوز أن أبيع يدها أو رجلها إذا قطعتها فلا يجوز أن أبيع جلدها إذا سلختها، وهل يشمل هذا ما إذا دبغ الجلد؟ يقول بعض العلماء: إنه يشمل ما إذا دبغ، وهذا مبني على أنه لا يطهر بالدباغ وعلى أنه لا ينتفع به إلا في الشيء اليابس، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، والصحيح أنه يطهر بالدبغ، وأنه ينتفع به في اليابسات والمائعات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة يجرونها ميتة فقال: "هلَّا أخذتم إهابها فانتفعتم به". قالوا: إنها ميتة. قال: "يطهرها الماء والقرظ" وقال: "دباغ جلود الميتة ذكاتها"، وهذا يدل على أن الدبغ يطهرها ويجعلها حلًّا حيث شبهها بالذكاة، شبه الدباغ بالذكاة، وعلى هذا القول يجوز بيعه بعد الدبغ؛ لأنه عين مباحة النفع على وجه عام شامل فيباح بيعه بعد الدبغ.
هل يباح بيع جلود السباع بعد دبغها؟ هذا ينبني على أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" هل يشمل ما لا تبيحه الذكاة كالسباع أو يختص بما تبيحه الذكاة لقوله: "دباغ جلود الميتة ذكاتها" وفيه خلاف بين العلماء أيضًا، لكن إذا قلنا بان جلود السباع تطهر بالدبغ فإنه يجوز بيعه كجلود الميتة.
لو قال قائل: إذا قلتم إنه يطهر بالدبغ، فقولوا: يجوز بيعه قبل الدبغ كما تقولون بجواز بيعه؛ لأنه يمكن أن يطهر وينتفع به، فاجعلوا جلد الميتة قبل الدبغ كالثوب المتنجس، وقولوا: يجوز بيعه لمن يريد أن يدبغه ويطهره؛ لأنه قد يكون هذا صاحب الشاة التي ماتت وسلخ جلدها قد لا يكون عنده ما يدبغ به الجلد، ويأتي إنسان آخر يقول: أنا أشتريه وأدبغه فهل تجيزون ذلك؟
الجواب: لا، والقياس نقول: لا يصح القياس؛ لأن هذا الجلد جزء من الميتة فنجاسته عينية أصلية، فلا يمكن أن نجيز بيعه حتى يخرج عن حكم الميتة، أما الثوب المتنجس فالنجاسة طارئة عليه وأصله طاهر ليس جزءًا من ميتة أو جزءًا من نجس بل أصله طاهر، فلهذا أجزنا بيعه قبل غسله، إذن الميتة فيها عمومان من حيث الميتات وأنواعها، ومن حيث أجزاء الميتة، تقدير العموم الأول: أن نقول: بيع كل ميتة، وتقدير العموم الثاني: بيع كل الميتة، وعرفنا الآن ما الذي يستثنى من ذلك.
ولو قال قائل: لو اضطر إنسان إلى بيع ميتة هل يجوز بيعها عليه؟ الجواب: لا للعموم، ولأنه عند الضرورة يجب أن يبذل له ما يدفع ضرورته حتى وإن كانت مذكاة، فإن أبى صاحب الميتة أن يعطي المضطر إلا ببيع فليدفع له والإثم على البائع.