قال المؤلف: "كتاب"؛ لأن هذا مستقل عما سبق وهو من جنس آخر؛ لأن الأول كله في العبادات وفي معاملة الخالق عز وجل، وهذا في البيوع، وهي معاملة الخلق، وبدأ العلماء بالبيوع بعد العبادات؛ لأنها أكثر تعلقًا بالنسبة للبشر، وإلا فإن النكاح مثلًا له علاقة بالمعاملة وعلاقة بالعبادة، لكن البيوع أكثر تعلقًا بالنسبة للبشر؛ لأن الإنسان يحتاج إليها في أكله وشربه ولباسه ومسكنه ومركوبه ومنكحه وغير ذلك، فهي أعم تعلقًا، ولهذا أعقبها أهل العلم أي: جعلوها عقب العبادات.
وقال المؤلف: "كتاب البيوع" جمعها باعتبار أنواعها وإلا فإنها جمع بيع والبيع مصدر، والمصدر لا يجمع إلا إذا قصد به النوع، فإذا قصد به النوع جاز جمعه باعتبار أنواعه.
والأصل في البيوع الحلّ لقول الله تعالى: {وأحلَّ الله البيع} [البقرة: 275]. فكل صورة من صور البيع يدَّعى أنها حرام فعلى المدعي البينة؛ يعني: الدليل؛ لأن الأصل هو الحل، وشرع الله البيع وأحلَّه لعباده لدعاء الضرورة إليه أحيانًا والحاجة إليه أحيانًا أخرى والتَّنعم إليه أحيانًا، فأحيانًا تدعو الضرورة إليه كما لو كان مع إنسان دراهم وهو عطشان ومع إنسان آخر ماء فهنا الضرورة تدعو إلى عقد البيع؛ لأن هذا العطشان لا يتوصل إلى الماء إلا بطريق البيع إذا لم يبذله صاحبه له، وليس كل أحد يتمكن من البذل، فأحيانًا تكون الضرورة للمشتري وأحيانًا تكون الضرورة للبائع، مثل: أن يكن شخص معه طعام ولكنه عطشان يحتاج إلى بيع الطعام ليشتري الماء، فهنا الضرورة من البائع، وأما الحاجة التي تدعو إليه فما يحتاج الإنسان إليه في أمور دينه ودنياه مما ليس بضرورة كحاجته إلى ثوب آخر مع ثوبه الأول في أيام الشتاء ونحو ذلك، وأما التَّنعم فكما لو كان عند الإنسان كل ما يضطر إليه وكل ما يحتاج إليه، لكن يجب أن يتنعم وينبسط بما أحل الله له وليس له طريق إلى ذلك إلا البيع فهنا نقول: لم تدع الضرورة ولا الحاجة لكنه من باب التنعم بنعم الله عز وجل وجه مباح؛ لهذا كان من الحكمة إباحة البيع للعباد لتندفع بها ضروراتهم وتقوم بها حاجاتهم ويتم بها تنعمهم؛ لأنه ليس كل إنسان يضطر إلى طعام أو شراب يجد من يبذله له ولا كل إنسان يحتاج إلى مكمّلات بيته مثلًا يجد من يبذلها له، ولا كل إنسان يريد أن