"ضباعة" بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقولها: "شاكية" أي: مريضة، والمؤلف رحمه الله أتى بهذا الحديث في هذا الباب وإن كان له مناسبة أن يذكر في أول باب الإحرام عند الإحرام، لكن هذا الباب له فيه مناسبة وهي أن الإنسان إذا اشترط عند عقد الإحرام أن محلَّه حيث حبس ثم حبسه حابس فإنه يتحلل بدون شيء: بدون دم، بدون حلق، بدون قضاء إن لم يكن فرضًا، حتى على قول من يقول: إن المحصر يجب أن يقضي وإن كان نفلا، في هذه الحال إذا اشترط؛ يعني: يحل هذا وجه المناسبة لسياق هذا الحديث في باب الفوات والإحصار.
وهذا الحديث -كما ترون -في حجة الوداع، ففيه عدة فوائد كثيرة منها: أن صوت المرأة ليس بعورة، المرأة الأجنبية التي ليست من المحارم صوتها ليس بعورة، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم ابنة عمه.
فإن قال قائل: ألا يحتمل أن تكون من محارمه بالرضاع؟
قلنا: بلى، ولكن الأصل عدم ذلك.
فإن قال قائل: ألا يحتمل أن هذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم كما كان من خصائصه جواز كشف الوجه له؟
قلنا: بلى، يمكن أن يكون من خصائصه، لكن نقول من خصائصه لو كان هناك نص يدل على أن صوت المرأة عورة، وأنه يحرم مخاطبة المرأة لكن لا يوجد نص، بل المعروف أن النساء يتكلمن مع النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابة ولا يمنعهن النبي صلى الله عليه وسلم، إذن فصوت المرأة ليس بعورة، ولكن لا يجوز للإنسان أن يتلذذ بصوت المرأة لا تلذذ شهوة ولا تلذذ تمتع، فتلذذ الشهوة أن يحس بثوران الشهوة عند مخاطبتها والتمتع أن يعجبه صوتها وكلامها ويستمر كما يتمتع بمنظر الأشجار والبناء الجميل والسيارة الفخمة وما أشبه ذلك، المهم: أن صوت المرأة ليس بعورة، فتجوز محادثتها إلا إذا كان هناك فتنة وذلك بالتلذذ بمحادثتها إما تلذذ شهوة أو تلذذ تمتع.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز الاشتراط عند الإحرام للمريض، الدليل أنها قالت: "إني أريد الحج .... إلخ"، ولكن هل يسن الاشتراط أو لا يسن، أو في ذلك تفصيل؟ فيه خلاف بين العلماء؛ منهم من أنكر الاشتراط مطلقًا، وقال: لا اشتراط في الإحرام؛ لأن الإحرام واجب، يعني: إذا دخل الإنسان في النُّسك وجب عليه الإتمام، واشتراط التحلل ينافي ذلك ويناقضه، هذا تعليل، وأما الدليل ففعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه حج واعتمر ولم يشترط لا في عمرة الحديبية ولا في عمرة القضاء ولا في عمرة الجعرانة ولا في حجة الوداع، مع أنه لا يخلو من خوف، فلا