ويجوز أن تكون "واجبة"، خبرًا مقدمًا، و"هي"، مبتدأ مؤخرا، يقول ابن مالك في هذه المسألة:

والثَّان مبتدًا وذا الوصف خبر ... إن في سوى الإفراد طبقًا استقر ()

المهم: أن مثل هذا التركيب يجوز فيه الوجهان.

قال: "لا" هذا حرف جواب، واستغنى بها عن إعادة السؤال؛ إذ لو أعاد السؤال لقال: ليست واجبة، ولكنه قال: "وأن تعتمر خير لك"، يعني: من عدم العمرة، وقوله: "أن تعتمر" هذه مبتدأ. بعد سبكها بالمصدر، وخيره خبر المبتدأ، يعني: اعتمارك خير لك، فهي نظير قوله تعالى: {وأن تصوموا خيرٌ لكم} [البقرة: 184].

* فنستفيد من هذا الحديث - أن صح مرفوعًا - عدة فوائد:

أولًا: أن العمرة ليست واجبة وحينئذ يكون بينه وبين الحديث الأول تعارض؛ لأن الأول قال: "عليهن جهاد لا قتال فيه"، وهنا يقول: "ليست بواجبة"، فما الجمع بينهما؟ الجمع بينهما أن نقول: لا معارضة؛ لأن الحديث الأول أصح من الحديث الثاني؛ إذ إن الأول صحيح الإسناد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني موقوف على جابر بن عبد الله، والموقوف لا يعارض المرفوع.

ثانيًا: قد يقال: أن هذا الأعرابي - يعني: لو صح الحديث - علم النبي صلى الله عليه وسلم من حاله أنها لا تجب عليه لكن العمرة خير له إلا أن هذا يعكر عليه قوله: "أواجبة هي؟ " ولم يقل: عليِّ، ومن ثمَّ اختلف العلماء بناء على اختلاف الحديثين، فقال بعض العلماء: أن العمرة واجبة كالحجِّ، وقال آخرون: إنها لا تجب؛ لأن الله إنما أوجب الحج فقال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا} [آل عمران: 97]. وأما قوله: {وأتموا الحج والعمرة} [البقرة: 196]. فقد سبق أنه ليس فيها دليل على الفرضية، وقال بعض العلماء: إنها تجب على غير المكي، وهذا منصوص الإمام أحمد، واختيار شيخ الإسلام () ابن تيمية رحمه الله، أي: أنها لا تجب على المكي، إنما تجب على من كان من غير أهل مكة، ولا يرد على هذا حديث ابن عباس: "هنّ لهنّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة"، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة؛ لأننا نقول: أن أهل مكة لهم أن يعتمروا، لكن لا تجب عليهم العمرة.

والراجح عندي: أن العمرة واجبة كالحج؛ لحديث عائشة، وحديث جابر لا يعارضه؛ لأنه قد روي موقوفًا وهو الراجح كما قال المؤلف؛ ولأن العمرة تسمَّى حجًّا أصغر؛ لحديث عمرو بن حزم المشهور، وفيه: "وأن العمرة الحج الأصغر"، فتكون داخلة في لفظ العموم: {حج البيت}،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015