حائل بأن كان بيننا وبين مطلعه سحب أو قتر أو جبال شاهقة لا نستطيع تسلقها أو ما أشبه ذلك، وهذا الأخير هو المتعين؛ لأن الأول ليس فيه شك إذا تراءينا الهلال ولم نره فاحتمال أن يكون قد هلَّ ولم نره هذا خلاف الأصل، الأصل أننا ما دمنا ننظر ولم نره فالأحكام الشرعية تجري على الظواهر، فهو ليس يوم شك شرعًا، وإن كان من حيث العقل قد يفرض العقل أن الهلال هلَّ ولكن لم نره لكن من الناحية الشرعية ليس هو يوم الشك؛ لأن أحكام الشرع تجري على الظواهر، اطلعنا في مطلع الهلال ولم نره وفينا أناس أقوياء في النظر ولم نره نقول: إذن لم يهل، فليس عندنا شك في هذا، وهذا القول هو الصحيح.

أما قول الذين قالوا: إن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء صحوا فقالوا: إذا كانت السماء غيما فإن الصوم واجب، كيف ذلك؟ قالوا: نعم، واجب احتياطًا حكمًا ظنيًّا لا حكمًا يقينيًّا.

إذن ننظر هذا التعليل "حكم ظني"، هل يجوز أن نلزم الناس بالأحكام الشرعية بمقتضى الظن؟ لا، الظن لا يجوز أن تثبت به الأحكام؛ لأنه ظن في وجود السبب، هل نقول: إن هذا احتياط، أو أن الاحتياط عدم الصوم؟ الواقع أن الاحتياط عدم الصوم؛ لأن الاحتياط كما يكون في الفعل يكون في الترك، فنحن نحتاط لأنفسنا، فلا نلزم عباد الله بما لا يلزمهم هذا هو الاحتياط، ولهذا لا تظن أن الاحتياط اتباع الأشد، بل الاحتياط اتباع ما يكون أقرب إلى الشرع، إذن فقد انتقض تعليلهم وسيأتي- إن شاء الله تعالى- من السُّنة ما ينقضه.

فالحاصل: أن اليوم الذي يُشك فيه هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال حائل، غيم أو قتر أو جبال شاهقة.

وقوله: "فقد عصى أبا القاسم"، المعصية: مخالفة الأمر، فتارك الواجب عاصٍ، وفاعل المحرم عاصٍ، أما إذا قيل: طاعة ومعصية، فالطاعة: فعل الأمر، والمعصية: فعل النهي، ولكن إذا أطلقت المعصية شملت ترك الواجب وفعل المحرم، وقوله: "أبا القاسم" هذه كنية الرسول صلى الله عليه وسلم، يسمى أبا القاسم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قاسم كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا قاسم والله معطٍ"، والموصوف بالشيء قد يكنى به كما كنَّى الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب بـ"أبي تراب" وكنَّى أبا هريرة بـ"أبي هريرة"؛ لأنه كان يحمل هرة في كمه رضي الله عنه.

كنِّي بذلك لكونه صلى الله عليه وسلم قاسمًا يقسم بين الناس على ما أمر الله به، ولهذا قال: "أنا قاسم والله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015