وتهاونًا يكون كافرًا مرتدًّا وعلى هذا فيلحق بتارك الصلاة، ولكن جمهور أهل العلم على أنه لا يكفر بذلك، ولكنه قد ارتكب إثمًا عظيمًا أشد من الكبائر، ودليل هؤلاء حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة من لم يؤد الزكاة، ثم قال: "فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار"، ومعلوم أن من يمكن أن يكون له سبيل إلى الجنة فإنه لا يكون كافرًا؛ لأن الكافر لا يمكن أن يكون له سبيل إلى الجنة
بحث ثانٍ: هل إذا تركها تهاونًا تؤخذ منه قهرًا أو لا؟ الجواب: تؤخذ قهرًا، وفي هذه الحال هل تبرأ بها ذمته أو لا تبرأ؟ إن أداها لله برئت ذمته، وإن كان مكرهًا- وإن أداها لدفع الإكراه فقط وقال: هذه جزية- فإنها عند الله لا تبرأ ذمته ولا يُعد مخرجًا لها عند الله؛ لأنه ما أخرجها لله ولا امتثالًا لأمره.
وهل مع إجباره وقهره على الزكاة هل يعاقب بذلك؟ اختلف فيه أهل العلم؛ فمنهم من قال: العقوبة أن يُلزم بدفعها فقط، وقال آخرون: بل يعاقب بأن يؤخذ من الزكاة شطر ماله، واستدلوا بحديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن لم يؤدها: "فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا". فقال: "آخذوها وشطر ماله" هل هذا شطر ماله كله- والشطر بمعنى: النصف- أو شطر ماله الذي منع زكاته؟ فيه خلاف أيضًا، وهذا الخلاف يحتمله اللفظ، فنرد ذلك إلى اجتهاد الحاكم، إذا رأى أن يؤخذ شطر المال كله أخذه، وإن رأى ألا يؤخذ إلا شطر المال الذي منع زكاته فليفعل؛ لأن هذا من باب التعزير فيرجع فيه إلى الإمام.
571 - عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن ... " فذكر الحديث وفيه: "إنَّ الله قد افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فتردَّ في فقرائهم". متفقٌ عليه، واللَّفظ للبخاريِّ.
قوله: "بعث معاذ بن جبل إلى اليمن"، أي: أرسله، وكان ذلك في ربيع الأول سنة عشرٍ من الهجرة، أي: قبل موت الرسول صلى الله عليه وسلم بسنة، بعثه إلى اليمن داعيًا ومعلِّمًا وحاكمًا، بعثه يدعوهم إلى الله ويعلمهم ويحكم بينهم، والحكم هنا القضاء.
"فذكر الحديث"، يعني: ذكر ابن عباس الحديث بطوله، وفيه أن أول ما يدعوهم إليه شهادة