البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "قال أبو لهب- لعنه الله- للنبي صلى الله عليه وسلم .... " ذكر الحديث. فلعن عمه، يعني: لعنه ابن عباس، وابن عباس قوله حجة في مثل هذا، فهذا يقتضي أنه إذا كان كافرًا فإنه يجوز سبه؛ لأنه ليس له عرض محترم، وهو إذا أفضى إلى ما قدم فإنه يجازى عليه، لكن بالنسبة لنا ليس له عرض محترم، ولكن هذا يأباه ظاهر الحديث، إلا أن نقول: إذا سبه الإنسان تحذيرًا من فعله وسلوكه فهذا لا حرج فيه، وإذا سبّه لبيان حاله فكذلك لا حرج فيه؛ لأن المقصود بذلك النصح، وإذا سبّه قبل الدفن فلا محذور فيه، هذه ثلاثة أشياء: أما الأول يعني: إذا سبّه تحذيرًا من فعله فهذا ظاهر؛ لأن فيه مصلحة، لأن التحذير من فعل هذا الكافر أو الفاسق فيه مصلحة عظيمة، فإذا سبّه وقال: هذا الذي ظلم الناس وهذا الذي فعل كذا ... يريد أن يحذّر منه لا أن ينتقم منه بالسبّ فهذا جائز، وإذا سبه أيضًا لبيان حاله فهو أيضًا جائز، بل قد يكون واجبًا، وهذا يقع كثيرًا في كتب أهل الحديث؛ أي: في كتب الرجال، فتجد فيها: يقول فلان، ثم يذكر بما فيه من العيب، لماذا؟ لأن هذا من باب التحذير يبين حاله، وما زال المسلمون على هذا، الثالثة: إذا كان قبل الدفن، ويستدل لذلك بالجنازة التي مرّت بالنبي صلى الله عليه وسلم وعنده أصحابه فأثنوا عليه شرًّا؛ فقال: "وجبت". وقد يقال: إنه لا حاجة للاستثناء؛ لأن التعليل يخرجه؛ لأن قوله: "فإنهم أفضوا إلى ما قدموا" لا يكون إلا بعد الدفن، أما قبل فإنه لم يفض إلى ما قدم حتى الآن، أي: إنه لم يصل إلى المجازاة، وعلى كل حال هذا الحديث- عمومه- لا شك أن فيه تخصيصًا، والتخصيص في الحالات الثلاث التي ذكرنا.
ويستفاد من هذا الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يريد أن يحمي أمته عما فيه شر، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".
ومن هذا نعرف أن ما يفعله بعض الناس الآن من الرؤساء والزعماء مما لا فائدة فيه، حيث يبدءون فيما بينهم بالتشاتم، بأن يسب أحدهم نظيره بالطول، ويعيِّره الآخر بالعرض، ويقوم وسيط ثالث للدفاع عن هذا أو ذاك، فما الفائدة من هذا؟ لا فائدة فيه، هذا لغو وربما يحدث عداوة وبغضاء بين الناس، فهو قد أفضى لما قدّم وانتهى عن الدنيا، وبالنسبة إلى مبدئه إذا كان ذا مبدأ خبيث معارض للشريعة يجب أن نسبَّ هذا المبدأ نفسه؛ لأن المقصود ألا يغتر أحد بمبدئه ومنهاجه؛ أما أن نتجادل في هذا الشخص لعينه فلا شك أنه لغو وأنه يجرُّ إلى الآثام.
* * *