وقوله: "تضطروا" أي: يلجئكم شيء إلى الدفن في الليل ويجعلكم تلجئون إليهم.
وقوله: "موتاكم" هذه النسبة لأدنى ملابسة حتى ولو كان من غير أقاربك، ولكنه من المسلمين فإنه داخل في هذه الإضافة.
قال: "وأصله في مسلم"، الذي في مسلم أن رجلًا توفي في الليل فكفّنوه في غير طائل، ثم دفنوه فجاء النهي عنه في قوله: "لكن قال: زجر أن يقبّر الرجل بالليل حتى يصلى عليه".
واعلم أن قوله: "حتى يصلّى عليه" ليس معناه: أنه في النهار يدفن بلا صلاة، لكن المعنى: تحسن الصلاة عليه.
ففي هذا الحديث ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدفن بالليل، ولكن هذا النهي معلل بعلتين، وليت المؤلف ساق حديث مسلم، لو فعل ذلك لكان أولى، ولكنه- النهي- معلل بعلتين، العلة الأولى: لأن يحسن كفنه بحيث يكفنوه بما تيسر من غير أن يطلبوا الأفضل والأحسن، والثانية: عدم الصلاة عليه، وليس المراد العدم بالكلية؛ لأن هذا بعيد من الصحابة أن يدفنوه بلا صلاة، ولكن الكثرة أو الصلاة بتأن وتؤدة؛ لأنه قد يكون في الليل يصلون عليه صلاة سريعة لا يعتني فيها بالأكمل، وليس المراد: أنهم لم يصلوا عليه بالكلية أبدًا هذا بعيد.
فيستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي مراعاة تحسين كفن الميت، ومراعاة كثرة المصلّين عليه، ومراعاة إحسان الصلاة على الميت، يعني: يؤتى بها على الوجه الأكمل.
ويستفاد منه: النهي عن الدفن بالليل إلا عند الضرورة لقوله: "إلا أن تضطروا"، ولكن هذا النهي- كما قلت- منصبٌّ على ما إذا كان هناك تقصير في تكفينه أو الصلاة عليه، وكذلك لو كان هناك تقصير في تغسيله بحيث لم يجدوا إلا ماء قليلًا لا يحصل به الإنقاء، فإننا نقول: انتظروا إلى الصباح، أما إذا لم يكن هناك سبب يقتضي التأجيل فقد ثبت أن الأموات يدفنون بالليل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مر علينا قصة المرأة التي كانت تقم المسجد فدفنوها في الليل، ولم ينههم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، والصحابة- رضي الله عنهم- دفنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا، فإنه توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء، وكذلك دفن أبو بكر ليلًا، وهذا دليل على أن الصحابة فهموا من النهي عن الدفن في الليل إذا كان هناك تقصير فيما يجب للميت فإن لم يكن تقصير فلا حرج، وكذلك أيضًا لو كان هناك خوف على الميت من أن يتشقق لو بقي إلى الصباح فإنه يدفن بسرعة، وكذلك لو كان عليه خوف لو دفن في النهار فإنه يدفن في الليل، كما ذكر عن عثمان رضي الله عنه أنهم دفنوه ليلًا خفية، خوفًا ممن؟ من الخوارج الذين قتلوه أن ينبشوه ويمثلوا به.
فإن قلت: ظاهر هذا الحديث جواز الدفن في كل وقت إلا في الليل في حالة الإخلال.