للسببية، و"ما" يحتمل أن تكون اسمًا موصولًا، أي: بالذي نيح عليه به، ويحتمل أن تكون مصدرية أي: بالنوح عليه، هذا إعراب الحديث، أما معناه: فإن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأن الميت إذا ناح عليه أهله فإنه يعذّب في قبره، والنياحة سبق لنا تعريفها بأنها: صوت بالبكاء صوت خاص يشبه نوح الحمام، وهو يشبه التطريب بالبكاء بالنسبة للآدميين.

وقوله: "يعذّب بما نيح عليه". يقول المؤلف: "ولهما" أي: للبخاري ومسلم، "عن المغيرة بن شعبة نحوه"، وكذلك صحّ عن عمر في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، وفي لفظ لمسلم من حديث عمر: "يعذّب ببعض بكاء أهله عليه".

والآن هذا الحديث يدلنا على أن النوح كما أنه سبب للعن والطرد بالنسبة للنائحة فهو أيضًا سبب لتعذيب الميت به، وهذا الحديث مما أشكل على الصحابة فمن بعدهم، حتى إن أم المؤمنين رضي الله عنها عائشة أنكرت ذلك، وقالت: إنكم ما كذبتم ولا كذبتم ولكن السمع يخطئ، فنسبت عمر وابنه إلى الخطأ في السمع والوهم، واستدلت لإنكارها بقوله تعالى: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} [فاطر: 18]. وهذه القاعدة الكلية العامة ثابتة في الكتب السابقة، وفي كتابنا القرآن الكريم قال الله تعالى: {أم لم ينبّأ بما في صحف موسى (36) وإبراهيم الَّذي وفَّى (37) ألَّا تزر وازرةٌ وزر أخرى (38)} [النجم: 36 - 38]. فهذا متفق عليه في الشرائع أن الوازرة يعني: النفس التي تتحمل الوزر لكونها مكلّفة لا تحمل وزر غيرها إلا إذا كانت هي السبب في هذا الوزر، فإنها تعاقب بمثل العامل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير كفاعله". وكذلك: "من سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، ولهذا كان ابن آدم الذي قتل كان عليه كفلٌ من كل نفس قتلت بغير حق؛ لأنه أوّل من سنّ القتل- والعياذ بالله-.

إذن نقول: هذا الحديث ظاهره مشكل بالنسبة للآية الكريمة، وعائشة رضي الله عنها قالت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بيهودية تبكي، فقال: "إنها لتبكي، وإن الميت- اليهودي- ليعذب في قبره"، فاستدلت بالآية وبالحديث، فهي رأت رضي الله عنها أن هذا الحديث الذي معنا حديث ابن عمر، وحديث المغيرة، وحديث عمر مخالف للقرآن وروت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك لامرأة يهودية كان أهلها يبكون عليها وهي تعذّب في قبرها.

ونحن نقول: أما توهيمها الرواة فهو في غير محله؛ لأن الأصل في الثقة عدم الوهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015