516 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الَّذي سقط عن راحلته فمات: ((اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبيه)). متَّفقٌ عليه.
كان ذلك في حجة الوداع وهو واقف بعرفة، فجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستفتي في شأنه فأفتاهم فقال: ((اغسلوه بماء سدر))، (اغسلوه)) الضمير يعود على هذا الميت الذي سقط عن ناقته فمات، بماء وسدر مخلوطين جميعًا بأن يدق السدر ثم يوضع الماء ويضرب باليد وتؤخذ الرغوة ويغسل بها الرأس، ويبقى السَّفل يغسل به بقية الجسد؛ لأن السفل لو غسل به الرأس لبقي آثاره في الرأس بخلاف الرُّغوة.
وقوله: ((وكفنوه في ثوبيه)) ((كفنوه)) يعني: غطوه واستروه في ثوبيه، والضمير في قوله: ((ثوبيه)) يعود إلى هذا الميت، وهما: الإزار والرداء اللذان أحرم بهما، والقصة، كما قلت لكم: أن هذا الرجل كان واقفًا بعرفة فأوقصته ناقته فسقط فمات فجاءوا يستفتون النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه فأفتاهم بذلك.
فيؤخذ من هذا الحديث فوائد عديدة منها: جواز استفتاء العالم في وقت الوقوف بعرفة؛ لأن هؤلاء استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة، فلا يقال: إن هذا اليوم دعاء فلا ينبغي أن يستفتى عن الشيء.
ومنها، أن العلم أفضل من الذكر والدعاء المجرد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تشاغل عن دعائه بإجابتهم وأفتاهم.
ومنها: أن الحوادث موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حوادث المركوبات موجودة حتى في عهد الرسول، ويتفرع على هذه الفائدة: رد قول من قال: إنه ينبغي لكل محرم الآن أن يشترط في إحرامه أنَّ محلي حيث حبستني؛ لأن العلماء اختلفوا في الاشتراط للإحرام هل يشترط الإنسان عند إحرامه أنَّ محله حيث حبس أو ينوي ويطلق ولا يشترط؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إنه يسن الاشتراط مطلقًا، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد.
القول الثاني: إنه لا يسن مطلقًا؛ وبهذا قال ابن عمر وجماعة من أهل العلم.
القول الثالث: إنه يسن الاشتراط لمن كان به مانع أو لمن كان يظن أن يحدث له مانع يمنعه من إكمال النسك، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعني: أن الاشتراط ليس مستحبًا مطلقًا ولكن لابد من التفصيل، وهذا القول هو الراجح؛ لأن به تجتمع الأدلة فالنبي