أي: من أهل أبي سلمة؛ لأنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الروح إذا قبض)) علموا أنه قد توفي فضجوا كعادة الناس؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة تؤِّمن على ما تقولون))، ((لا تدعوا على أنفسكم)) يحتمل أن المعنى: لا تدعوا على الميت؛ لأن الميت من أنفسهم أو على أنفسكم أنتم، كما هي عادتهم في الجاهلية إذا أصيبوا بمصائب يقولون: واثبوراه، وانقطاع ظهراه وما أشبه ذلك، أيهما أقرب؟ الثاني هو الأقرب؛ لأن دعاءهم على الميت بعيد أو متعذر.
وقوله- عليه الصلاة والسلام-: ((لا تدعوا إلا بخير)) يعني: ولا تدعوا بشر، بل إن لدينا ثلاثة أمور: خير وشر، ولا خير ولا شر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تدعوا إلا بخير))، علل ذلك بقوله: ((فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون)) أي ملائكة هم؟ الذين حضروا لقبض روح الميت، أو الملائكة الموكلون بكتابة أعمال بني آدم، أم ملائكة وكلهم الله عز وجل بحضور المحتضرين، ليؤمنوا على دعاء أهليهم؟ أما الأول فبعيد؛ لأن الملائكة الذين حضروا لقبض روح الميت مشغولون بما أمروا به، وأما الثاني والثالث فكلاهما محتمل، وأيًّا كان فإن تأمين الملائكة على ما ندعو به سبب لإجابة الدعوة، وقوله: ((فإن الملائكة تؤِّمن على ما تقولون)) على أنفسكم أو على الميت؟ الظاهر: العموم؛ ولهذا ينبغي في مثل هذه الحال أن يدعى للميت: ((اللهم اغفر له، اللهم تغمده بالرحمة))، كما سيأتي- إن شاء الله- أن الرسول دعا له، ومن أحسن ما يقال: ((اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها)).
ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم- الذي بالمؤمنين رءوف رحيم وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم- هذه الكلمات العظيمة التي يتمنى كل أحد أنها له، قال: ((اللهم اغفر لأبي سلمة)) اغفر له ذنوبه، ((وارفع درجته في المهديين)) يعني: في الجنة ((في المهديين)) أي: معهم، ومن هم المهديون؟ عم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ودليل ذلك قوله تعالى: {أهدنا الصراط المستقيم (1) صراط الَّذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 6، 7]. إذن فالذين أنعمت عليهم مهديون إلى صراط مستقيم، فيكون معنى: ((ارفع درجته في المهديين)) أي: في الذين أنعم الله عليهم.
ثم قال: ((وأفسح له في قبره)) ((أفسح)) بمعنى: وسِّع، والقبر- كما نعلم- من الناحية الحسية ضيق، لكنه قد يوسَّع للإنسان حتى يكون مدَّ بصره، كيف يوسع وهو ضيق حسًّا؟ لأن أحوال الآخرة غير أحوال الدنيا، إذا كان الإنسان وهو نائم أحيانًا يرى في المنام أنه في مكان واسع فسيح بستان وما أشبه ذلك، وأحيانًا يرى أنه في مكان ضيق في نفق، ومع هذا فهو في غرفته