-[فقه الحديث]-
تتناول هذه المجموعة مسألتين رئيستين:
الأولى: مقدار ماء الغسل من الجنابة.
والثانية: وضوء الرجل بفضل المرأة، ووضوء المرأة بفضل الرجل.
المسألة الأولى: والناظر في روايات الباب يجدها تقدر الماء تارة بالفرق [ستة عشر رطلا تقريبا] وتارة بالصاع [خمسة أرطال وثلث أو ثمانية على خلاف بين الفقهاء] وتارة بإناء يسع ثلاثة أمداد [أربعة أرطال تقريبا].
ولا تعارض بين هذه الروايات، فقد تعددت مرات الغسل، وتعدد إناؤه، واختلف مقدار مائه، وكل ما تفيده روايات الباب هو حد أدنى، وحد أعلى لماء غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة، فلم يقل ماؤه عن أربعة أرطال، ولم يزد على ستة عشر رطلا. تختلف أحواله باختلاف البرودة والحرارة، أو باختلاف عسر الماء ويسره.
ومن هنا كان ماء الغسل غير خاضع للتحديد بالإجماع، قال النووي: أجمع المسلمون على أن الماء الذي يجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر، بل يكفي فيه القليل والكثير، إذا وجد شرط الغسل، وهو جريان الماء على الأعضاء، وقال: قال الشافعي: وقد يرفق بالقليل فيكفي، ويخرق بالكثير فلا يكفي، وقال النووي أيضا: قال العلماء: والمستحب أن لا ينقص في الغسل عن خمسة أرطال وثلث، ولا ينقص في الوضوء عن رطل وثلث، وذلك معتبر على التقريب لا على التحديد. اهـ.
والمشهور في مذهب المالكية أنه لا تحديد في ماء الوضوء والغسل، لكن تقليل الماء في كل منهما مستحب. وقال ابن شعبان: لا يجزئ أقل من المد في الوضوء [رطل وثلث] ولا من الصاع في الغسل [خمسة أرطال وثلث] على ما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم. اهـ. ولعل هذا القول لا يؤثر في الإجماع المنقول عن النووي، أما الشك الذي يؤدي إلى الإسراف فهو مذموم مهما كان الماء كثيرا.
قال النووي: وأجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء، ولو كان على شاطئ بحر، والأظهر أنه مكروه كراهة تنزيه، وقال بعض أصحابنا: الإسراف حرام.
والذي تستريح إليه النفس أن الماء كالمال، والمتطهرين كالمنفقين، فكما أن تبذير المال شرعا يختلف باختلاف قدرة المالكين، فما يعد تبذيرا بالنسبة لشخص قد يعد تقتيرا بالنسبة لآخر، ويختلف باختلاف أبواب الإنفاق كذلك، فما ينفق في الخير غير ما ينفق في الشر كذلك الماء، قد يكون محتاجا إليه فيلزم التقليل وقد يكون كثيرا فائضا على الحاجة ويقصد المسلم زيادة النظافة أو التبرد فيباح الكثير.