والكلام يحتمل أن يكون اغتسالهما من الإناء الواحد على سبيل التتابع، بعد أن ينتهي أحدهما يبدأ الآخر، ويحتمل أن يكون بالمشاركة في الماء في وقت واحد، وهو المراد بدليل الرواية السادسة، إذ فيها "تختلف أيدينا فيه".
(عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة) الرضاعة والرضاع بفتح الراء وكسرها فيهما، لغتان، والفتح أفصح. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف بن أخت عائشة من الرضاعة أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر، أما الرجل الآخر أخو عائشة من الرضاع، فقد قال النووي: إن اسمه عبد الله بن يزيد، قال الحافظ ابن حجر: ولم يتعين عندي أنه المراد هنا، لأن لها أخا آخر من الرضاعة، وهو كثير بن عبيد، رضيع عائشة ويحتمل غيرهما. اهـ.
(فسألها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة) في الكلام مضاف محذوف، أي سألها عن كيفيته ومقدار مائه.
(فدعت بإناء قدر الصاع) "قدر" بالجر، صفة "إناء" والمقصود أنها دعت بإناء قدر الصاع مملوء ماء، والصاع مكيال كان يصنع من خشب، والصواع لغة فيه، وجمع الصاع أصوع وآصع، وقد يختلف قدر الصاع في المدينة عنه في العراق مثلا، بل قد يختلف قدر صاع اللبن عن قدر صاع القمح مثلا، ومن هنا ذهب الحنفية إلى أن الصاع قدر ثمانية أرطال، وذهب غيرهم إلى أنه قدر خمسة أرطال وثلث، وتوسط بعض الشافعية. فقال: الصاع الذي لماء الغسل ثمانية أرطال. والذي لزكاة الفطر وغيرها خمسة أرطال وثلث.
(وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رءوسهن حتى تكون كالوفرة) قال الأصمعي: الوفرة أشبع وأكثر من اللمة، واللمة ما يلم بالمنكبين من الشعر، وقال غيره: الوفرة أقل من اللمة، وهي ما لا يجاوز الأذنين. وقال أبو حاتم: الوفرة ما على الأذنين من الشعر.
قال القاضي عياض: المعروف أن نساء العرب إنما كن يتخذن القرون والذوائب، ولعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعلن هذا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر، وتخفيفا لمؤنة رءوسهن من الدهن والطيب. اهـ. قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي عياض من كونهن فعلنه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا في حياته قاله أيضا غيره، وهو متعين، ولا يظن بهن فعله في حياته صلى الله عليه وسلم. اهـ.
(ثم صب الماء على الأذى الذي به بيمينه) أي صب الماء بيمينه على موضع البول والغائط، وغسل الموضع بشماله.
(وغسل عنه بشماله) كان الظاهر أن يقول: وغسله بشماله، أي غسل الأذى لكنه ضمن "غسل" معنى "أزال" وحذف مفعوله، والمعنى: وأزاله عنه بشماله.
(ونحن جنبان) قال النووي: هذا جار على إحدى اللغتين في الجنب أنه يثنى ويجمع،