وحمل بعضهم أحاديث الفرك على الدلك بالماء، وهو مردود برواية مسلم -الرواية الرابعة في الباب- وفيها "وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري" وقال بعضهم: الثوب الذي اكتفت فيه بالفرك ثوب النوم، والثوب الذي غسلته ثوب الصلاة والثياب النجسة بالغائط والبول والدم لا يطهرها الفرك، ومع ذلك لا بأس بالنوم فيها، ولا تجوز الصلاة فيها حتى تغسل، فالمني كذلك، وهذا القول مردود أيضا بما جاء في مسلم، في الرواية الأولى بلفظ "ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا، فيصلي فيه" فهذا الحديث نص في فرك ثوب الصلاة. قالوا: يحتمل أن يكون في هذا الحديث حذف وأصله "ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا [فأغسله] فيصلي فيه فالفاء في "فيصلي فيه" عاطفة على محذوف. قلنا: هذا احتمال بعيد واه، إذ الأصل في الفاء أنها للترتيب والتعقيب.

وقال بعضهم: إن أحاديث فرك ثوب الرسول صلى الله عليه وسلم لا تدل على تطهير المني بالفرك لاحتمال أن مني النبي صلى الله عليه وسلم طاهر خصوصية له. قلنا: إن الخصوصية لا تثبت بالاحتمال ولو كان خصوصية لكانت عائشة أعلم الناس بها، ولما أنكرت على ضيفها الغسل، ولما قالت عنه لجاريتها في رواية الترمذي "إنما يكفيه أن يفركه بأصبعه".

قال الحافظ ابن حجر: وعن تقدير صحة كونه من الخصائص أن منيه كان عن جماع فيخالط مني المرأة. اهـ. يعني إن كان منيه صلى الله عليه وسلم طاهرا وصح فركه فكيف صح فركه حين امتزج بمني غيره؟ وهذا الرد ضعيف لاحتمال أن المرأة لم تمن في هذه المرة فالامتزاج غير ثابت. والأولى ما رددنا به أولا.

وأما الحنفية فقد قالوا: إن المني نجس، والقياس وجوب غسله مطلقا رطبا ويابسا، ولكن خص هذا العموم بحديث الفرك يابسا، فالفرك بخصوص المني اليابس مطهر.

قال العيني مدافعا عن الحنفية: فإن قلت: ما لا يجب غسل يابسه لا يجب غسل رطبه كالمخاط؟ قلت: لا نسلم أن القياس صحيح، لأن المخاط لا يتعلق بخروجه حدث ما أصلا، والمني موجب لأكبر الحدثين وهو الجنابة. اهـ. وهذا دفاع واه، كما لا يخفى، لأن موطن النزاع عين المني وجرمه، هل هو طاهر أو نجس، وليس النزاع في أثر خروجه، فقد تحدث الجنابة بالطاهر، كالتقاء الختانين دون إنزال.

ودافع مرة ثانية، فقال: فإن قلت: سقوط الغسل في يابسه يدل على الطهارة؟ قلت: لا نسلم ذلك، كما في موضع الاستنجاء. اهـ. وهذه مغالطة مكشوفة لأن النزاع: هل الفرك يطهر النجاسة أو لا بد من غسلها، ولم يقل الحنفية ولا غيرهم إن الأحجار تطهر من الغائط، وإنما تبيح الصلاة مع وجود أثر النجاسة بل الغسل ساقط في الرطب في الاستنجاء بالأحجار فالمقصود من قولهم هو: سقوط الغسل في اليابس عند تطهير ما يجب تطهيره يدل على الطهارة، وسقوط الغسل عند الاستنجاء ليس عند تطهير المحل، بل عند استباحة الصلاة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015