(رأيت ما يرى النائم في منامه) المراد من الموصول رؤيا الجماع، لا أي رؤيا وهذا أدب رفيع في التعبير عما يستهجن.
(هل رأيت فيهما شيئا) المراد من الشيء المني، والمعنى هل رأيت في الثوبين بلل المني؟ أو جرمه أو أثره؟
(لو رأيت شيئا غسلته) الأسلوب يتسم بالإنكار، أي لو كنت رأيت شيئا لحسن غسلك، لكن حيث لم تر شيئا فما كان ينبغي لك أن تغسل معتقدا وجوب الغسل.
وقال النووي: قولها "فلو رأيت شيئا غسلته" هو استفهام إنكار، حذفت منه الهمزة، وتقديره: أكنت غاسله معتقدا وجوب غسله؟ . اهـ. وتقدير الاستفهام هنا بعيد متكلف.
(أحكه يابسا بظفري) أي أفركه جافا وأحكه بظفري.
-[فقه الحديث]-
ذهب الشافعي وأحمد وإسحق وداود إلى أن المني طاهر، وأنه لا يفسد الماء إن وقع فيه، وأن حكمه في ذلك حكم النخامة، واستدلوا: بأحاديث الباب وهي تفيد الغسل تارة والفرك أخرى، فحملوا الغسل على الاستحباب للتنظيف، لا على الوجوب، قالوا: وبهذا يعمل بالأحاديث وبالقياس معا، لأنه لو كان نجسا لكان القياس وجوب غسله، دون الاكتفاء بفركه، كالدم وغيره وقالوا: ما لا يجب غسل يابسه، لا يجب غسل رطبه، كالمخاط، فسقوط الغسل في يابسه يدل على طهارته.
كما استدلوا بقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70] وتكريمه لا يتناسب وجعل أصله نجسا، وبقوله تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرا} [الفرقان: 54] فقد سماه ماء، وهو في الحقيقة ليس بماء، فدل على أنه أراد به التشبيه في الحكم، ومن حكم الماء أن يكون طاهرا.
وقالوا: إن المني أصل الأنبياء والأولياء، فيجب أن يكون طاهرا.
كما استدلوا بما رواه ابن خزيمة عن عائشة -رضي الله عنها- "كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر [أي تمسح المني الرطب بعود من الإذخر وهو نبت طيب الرائحة] ثم يصلي فيه، وتحته من ثوبه يابسا، ثم يصلي فيه" فإن هذا الحديث يتضمن ترك الغسل في الحالتين. وبما رواه أيضا عن عائشة "أنها كانت تحكه من ثوبه صلى الله عليه وسلم".
قالوا: وعلى تقدير عدم ورود شيء من ذلك، فليس في حديث الغسل ما يدل على نجاسة المني، لأن غسلها فعل، وهو لا يدل على الوجوب بمجرده قاله الحافظ ابن حجر.
وذهب مالك وأبو حنيفة وآخرون إلى أن المني نجس، أما المالكية فلم يعرفوا الفرك والعمل عندهم على وجوب غسله رطبا ويابسا.