ورد هذا الاحتجاج بتكميل السلف للطهارة بالتيمم، لا بما تساقط، وعدم استعمال السلف للماء المستعمل، رد بأنه لا يكون حجة إلا بعد تصحيح النقل عن جميعهم، ولا سبيل إلى ذلك، لأن القائلين بطهورية المستعمل كثير منهم كالحسن البصري، والنخعي ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة في إحدى الروايات عن ثلاثتهم، ونسبه ابن حزم إلى عطاء وسفيان الثوري وأبي ثور وجميع أهل الظاهر.
كما رد بأن سبب الترك -بعد تسليم صحته عن السلف- هو الاستقذار وليس زوال الطهورية، وهذا القول هو الذي تستريح إليه النفس، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ، فمسح رأسه بفضل ماء في يده، وفي حديث آخر "مسح رأسه ببل لحيته" ولأنه ماء طاهر مطهر، لاقى طاهرا، فبقي مطهرا، كما لو غسل به ثوب طاهر، ولأن ما أدى به الفرض مرة لا يمتنع أن يؤدي به ثانيا، كما يجوز للجماعة أن يتيمموا من موضع واحد وبتراب واحد، وكما يصلي في الثوب الواحد مرارا، ويؤدي بالوضوء الواحد فرائض متعددة، ولأنه لو لم تجز الطهارة بالمستعمل لامتنعت الطهارة أصلا، لأنه بمجرد حصول الماء على العضو يصير مستعملا، فإذا سال على باقي العضو ينبغي أن لا يرفع الحدث.
لكن المنازعين يقولون برفعه، ويوقفون عدم طهوريته على الانفصال، والانفصال لا يصلح أساسا لسلب الطهورية. ثم إن طهورية الماء بالكتاب والسنة والإجماع، فلا يخرجه عنها إلا دليل صحيح صريح، وما ذكر من الأدلة على أنه غير طهور، ليست صالحة للاحتجاج بحكم الردود التي ذكرناها عليها.
ومع ذلك يكره اغتسال الجنب في الماء القليل الراكد، لما يترتب عليه من القذارة. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: يكره الاغتسال في الماء الراكد، قليلا كان أو كثيرا، وكذا يكره الاغتسال في العين الجارية. قال الشافعي -رحمه الله تعالى- في البويطي: أكره للجنب أن يغتسل في البئر، معينة كانت أو دائمة، وفي الماء الراكد الذي لا يجري. قال الشافعي: وسواء قليل الراكد وكثيره أكره الاغتسال فيه. هذا نصه، وكذا صرح أصحابنا وغيرهم بمعناه، وهذا كله على كراهة التنزيه، لا التحريم. اهـ.
والله أعلم