هذا كله في غمس اليد في الإناء الصغير الذي يحمل دون القلتين، أما الماء الكثير فلا كراهة في غمس اليد فيه، وإن كان راكدا كماء البرك والأحواض الكبرى.
وإذ قد انتهينا إلى أن الأمر بالغسل للقائم من النوم للندب عند الجمهور فإننا نعجب لتشدد بعض الشافعية في رسم الوسيلة إذا كان الإناء كبيرا لا يمكن الصب منه على اليدين. فيقول النووي: قال أصحابنا وإذا كان الماء في إناء كبير، أو صخرة، بحيث لا يمكن الصب منه، وليس معه إناء صغير، يغترف به، فطريقه أن يأخذ بفمه، ثم يغسل به كفيه، أو يأخذ بطرف ثوبه النظيف، أو يستعين بغيره. اهـ.
وأعجب من هذا ما يقوله العيني بعد أن ساق ما ذكرنا. قال: لو فرضنا أنه عجز عن أخذه بفمه، ولم يعتمد على طهارة ثوبه، ولم يجد من يستعين به. ماذا يفعل؟ قال: قال أصحابنا [الأحناف] إذا كانت الآنية كبيرة، وليست معه آنية صغيرة، فالنهي محمول على الإدخال على سبيل المبالغة، حتى لو أدخل أصابع يده اليسرى، مضمومة في الإناء، دون الكف، يرفع الماء من الحب، ويصب على يده اليمنى، ويدلك الأصابع بعضها ببعض فيفعل كذلك مرات، ثم يدخل يده اليمنى بالغا ما بلغ، في الإناء إن شاء. قال: وهذا الذي ذكره أصحابنا أوسع وأحسن. اهـ.
عجبا لهؤلاء الأصحاب ولأولئك الأصحاب، لو أن الظاهرية قالوها لكان لهم عذر، أما الشافعية والحنفية، وهم يقولون بالندب، فلا عذر لهم، فالدين يسر والحمد لله والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وما أحسن قول الحسن البصري في مثل هذا المقام "إنا لنرجو من رحمة الله وفضله ما هو أوسع من هذا" والله أعلم.
وفي علة النهي عن غمس اليد للنائم قبل غسلها يقول الشافعي: كانوا يستجمرون وبلادهم حارة، فربما عرق أحدهم إذا نام، فيحتمل أن تطوف يده على المحل، أو على بثرة أو قذر غير ذلك. وتعقبه الباجي بأن ذلك يستلزم الأمر بغسل ثوب النائم، لجواز ذلك عليه. وأجيب بأنه محمول على ما إذا كان العرق في اليد، لا في المحل، أو أن المستيقظ لا يريد غمس ثوبه في الماء، حتى يؤمر بغسله، بخلاف اليد، فإنه محتاج إلى غمسها.
وقيل: إن النهي للتعبد، والمذكور ليس بعلة.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
1 - أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالأحجار، بل يبقى نجسا معفوا عنه في حق الصلاة، حتى إذا أصاب موضع المسح بلل وابتل به سراويله أو قميصه فإنه يتنجس.
2 - استحباب غسل النجاسات ثلاثا، لأننا أمرنا بالتثليث عند توهمها فعند تيقنها أولى.
3 - أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل، ولا يؤثر فيها الرش، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: "حتى يغسلها، ولم يقل: حتى يغسلها أو يرشها.