ومن قال بأنه غير شرط في صحة الصلاة استدل بما رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج" وقالوا: إنه كدم البراغيث، لأنه نجاسة لا تجب إزالة أثرها، فكذا عينيها لا يجب إزالتها بالماء فلا يجب بغيره، وقال المزني: لأنا أجمعنا على جواز مسحها بالحجر فلم تجب إزالتها كالمني، ولا يخفى أن استدلالهم بالحديث غير تام، لأنه مع ضعفه مراد برفع الحرج فيه -رفع الحرج في ترك الإيتار- وليس المراد ترك أصل الاستنجاء، بل قيل: إنه في استعمال الجمر والبخور وليس في الاستنجاء، ولا يخفى أن هذا المذهب بعيد عن نظافة الإسلام، بعيد كل البعد عن الصواب. والله أعلم.

ثالثا: حكم الاستنجاء ومس الذكر باليمين، وحكمته: وقد صرحت الأحاديث بالنهي عن الاستنجاء باليمين، ومس الذكر باليمين، ففي الحديث الأول "نهانا أن نستنجي باليمين" وفي الثاني "نهانا أن يستنجى أحدنا بيمينه" وفي الثامن "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه" وفي التاسع "إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه" وفي العاشر "نهى أن يمس ذكره بيمينه، وأن يستطيب بيمينه".

وهذا النهي للتنزيه عند الجمهور، والقرينة الصارفة له عن التحريم أن ذلك أدب من الآداب، وذهب أهل الظاهر إلى أنه للتحريم، وقالوا من استنجى بيمينه أساء ولم يجزئه، وقال بعضهم: يجزئ مع الإساءة، وفي كلام جماعة من الشافعية ما يشعر به، لكن النووي صرف إشارتهم إلى الكراهة فقال: مراد من قال منهم: لا يجوز الاستنجاء باليمين أي لا يكون مباحا يستوى طرفاه، بل هو مكروه، راجح الترك.

ومحل هذا الخلاف إذا كانت اليد اليمنى تباشر الاستنجاء بالماء أو بالأحجار، أما إذا باشرت المسح بنفسها فحرام غير مجزئ بلا خلاف -كما تقدم- واليسرى في ذلك كاليمنى.

وقد أثار الخطابي بحثا حاصله: أن المستجمر متى استجمر بيسراه مس ذكره بيمينه، ومتى أمسك بيسراه استجمر بيمينه، وكلاهما قد شمله النهي، فماذا يعمل؟ وأجاب عن هذا بأن قصد الأشياء الضخمة التي لا تزول بالحركة كالجدار ونحوه من الأشياء البارزة فيستجمر بها بيساره، فإن لم يجد فليلصق مقعدته بالأرض، ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه أو إبهامي رجليه، ويستجمر بيساره، فلا يكون متصرفا في شيء من ذلك بيمينه. اهـ.

وهذا الجواب -فضلا عن الهيئة المنكرة التي يصفها، والتي يتعذر فعلها في غالب الأوقات- يتنافى مع واقع الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، فلم يؤثر عن أحد منهم مثل هذا الفعل، بل كانوا يستجمرون بالأحجار بسهولة ويسر.

وأجاب الطيبي عن إشكال الخطابي، بأن النهي عن الاستجمار باليمين مختص بالدبر والنهي عن المس مختص بالذكر، قال: فبطل الإيراد من أصله. اهـ. يقصد استجمار الدبر باليسار. ويمسك ذكره بيساره ويستجمر بيمينه.

ورده الحافظ ابن حجر، فقال: ما ادعاه من تخصيص الاستنجاء بالدبر مردود، والمس وإن كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015