حجرين، والتمست الثالث، فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة، وقال: هذا ركس".

قالوا: فقوله: "فأخذ الحجرين" دليل على الاكتفاء بهما، لأنه لو كان الثالث شرطا لطلب الثالث، فحيث لم يطلب دل على كفاية ما أخذ.

ورده الحافظ ابن حجر، قال: لقد ثبت فيما رواه أحمد في مسنده عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم طلب الحجر الثالث، وفيه "فألقى الروثة وقال: إنها ركس، إيتني بحجر" قال: ورجاله ثقات. على أنه يحتمل أن يكون قد اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة، فلم يجدد الأمر بطلب الثالث، أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث.

وأرى أن الخلاف هين، حيث إن الكل مجمع على شرط الإنقاء، وعلى طلب الثلاثة مع الإنقاء بواحد، لكن على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب؟ الأمر هين، ولهذا قال بعض الشافعية بما ذهب إليه المالكية والحنفية، وقال بعض المالكية والحنفية بما ذهب إليه الشافعية، والله أعلم.

هذا وقد تمسك داود بلفظ الأحجار، وقال: لا يجزئ غيرها، وذهب العلماء كافة من الطوائف كلها إلى أن الحجر ليس متعينا، بل تقوم الخرق والخشب وغير ذلك مقامه، وأن المعنى فيه كونه مزيلا، وهذا يحصل بغير الحجر: نعم اشترطوا في الخرقة أن تكون صفيقة، لا ينفذ بلل جانب إلى الجانب الآخر وإنما قال صلى الله عليه وسلم "ثلاثة أحجار" لكونها الغالب المتيسر، فلا يكون له مفهوم: فهو من قبيل تعليق الحكم على الاسم، وهو لا يدل على نفيه عن غيره عند أكثر الأصوليين، وتعليق الحكم على الاسم هو المسمى بمفهوم اللقب، ولم يقل به إلا الدقاق وبعض الحنابلة.

ويدل على عدم تعيين الحجر نهيه صلى الله عليه وسلم عن العظام والبعر والرجيع ولو كان الحجر متعينا لنهي عما سواه مطلقا.

قال الشافعية: والذي يقوم مقام الحجر كل جامد، طاهر، مزيل للعين، ليس له حرمة ولا هو جزء من حيوان؛ فخرج بالجامد الرطب والمبتل من حجر أو ثوب، لأنه وإن قلع الجرم فليس بغسل ولا مسح، وخرج بالطاهر النجس والمتنجس، فإنه يزيد المحل نجاسة وخرج بمزيل العين الزجاج، فإنه ينشر النجس ولا يزيله، وخرج بما ليس له حرمة، حيطان المساجد، وأوراق كتب العلم وخرج بما ليس جزءا من حيوان اليد وغيرها.

وزاد بعضهم أن لا يكون مطعوما ليخرج مأكول الإنسان والحيوان، وأن لا يكون ذا سرف ليخرج الذهب والفضة والآلئ.

وقد ورد في الرواية الأولى والثانية النهي عن الاستنجاء بالعظام، قال القاضي عياض: لأن العظام طعام، إذ يؤكل في الشدائد؛ ويمشش الرخو منه وقيل: لأنه لا يخلو من بقية دسم، وجوز بعض الشافعية الاستنجاء بالعظم إن كان طاهرا لا زهومة فيه، لحصول المقصود.

قال النووي: ولا فرق في النجس بين المائع والجامد، فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015