(أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها) معنى "رأوه فيها" علموها له وهي صفته المعلومة للمؤمنين، وهي أنه لا يشبهه شيء. ونسبة الإتيان إلى الله عبارة عن رؤيتهم إياه، لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالمجيء إليه، فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازا. وقيل: الإتيان فعل من أفعال الله تعالى، يجب الإيمان به، مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن صفات الحوادث، وقيل: فيه حذف، تقديره: يأتيهم بعض ملائكة الله، ورجحه القاضي عياض.
(قال: فما تنتظرون؟ ) وفي رواية: "ما يحبسكم وقد ذهب الناس"؟
(فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم) مقصودهم التضرع إلى الله في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته تعالى، وفارقوا في الدنيا أقاربهم الضالين، ممن كانوا يحتاجون في معايشهم إلى معاشرتهم كما جرى للصحابة المهاجرين الذين آثروا رضا الله تعالى.
(حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب) عن الصواب، ويرجع عنه للامتحان الشديد الذي جرى، وهو في الأصول بإثبات "أن" وإثباتها مع "كاد" لغة، كما أن حذفها مع "عسى" لغة.
(فيكشف عن ساق) قال النووي: ضبط "يكشف" بفتح الياء وضمها وهما صحيحان، وفسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث "الساق" هنا بالشدة أي يكشف عن شدة وأمر مهول، وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر، فيقولون: قامت الحرب على ساق، وأصله أن الإنسان إذا وقع في أمر شديد شمر ساعده، وكشف عن ساقه للاهتمام به، وقيل: المراد بالساق هنا نور عظيم، وقيل: قد يكون الساق مخلوقا جعله الله علامة للمؤمنين، خارجة عن السوق المعتادة، وقيل: معناه كشف الخوف وإزالة الرعب عنهم، فتطمئن حينئذ نفوسهم، ويتجلى سبحانه وتعالى لهم، فيخرون سجدا.
(ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته) قال النووي: هكذا ضبطناه "صورته" بالهاء في آخرها، ووقع في كثير من الأصول "في صورة" بغير هاء، ومعناه: وقد أزال المانع لهم من رؤيته، وتجلى لهم.
(ثم يضرب الجسر على جهنم) "الجسر" بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان، وهو الصراط.
(وتحل الشفاعة) بكسر الحاء، وقيل: بضمها، أي تقع ويؤذن فيها.
(وما الجسر؟ قال: دحض مزلة) "دحض" بدال مفتوحة وحاء ساكنة، و"مزلة" بفتح الميم، وفي الزاي الفتح والكسر، والدحض والمزلة بمعنى واحد، وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر، ومنه {حجتهم داحضة عند ربهم} [الشورى: 16] أي مائلة، لا ثبات لها.
(فيه خطاطيف وكلاليب وحسك) "الخطاطيف" جمع خطاف بضم الخاء في