وعندي أن كلا من القولين بعيد والأولى أن يكون ذلك تعبيرا عن مستقبل وأن هذه الأنهار وغيرها من أنهار الدنيا المعتز بها ستكون في الجنة مع التغاير في الصفات كما في بقية نعيم الجنة والله أعلم

(يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير) قيل مثلها في رقتها وضعفها كما في حديث "أهل اليمن أرق قلوبا وأضعف أفئدة" وقيل في الخوف والهيبة والطير أكثر الحيوان خوفا وفزعا وكأن المراد قوم غلب عليهم الخوف كما جاء عن جماعات من السلف في شدة خوفهم وقيل المراد متوكلون كالطير

(خلق الله عز وجل آدم على صورته) سبق شرح هذا الحديث قريبا والله أعلم

-[فقه الحديث]-

قال النووي مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون ويشربون فيها يتنعمون بما ذكر وبغيره من ملاذ وأنواع نعيمها تنعما دائما لا آخر له ولا انقطاع أبدا وأن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا يشارك نعيم الدنيا فيها إلا في التسمية وأصل الهيئة وإلا في أنهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبصقون وقد دلت دلائل القرآن والسنة في هذه الأحاديث أن نعيم الجنة دائم لا انقطاع له أبدا اهـ

وفي هذه الأحاديث أن نعيم الجنة فوق الخيال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كخيمة الدر واللؤلؤ وحجمها وأطوال البشر والزوجات والحور العين ورشح المسك وقد أخرج البخاري غير أحاديثنا أحاديث كثيرة كحديث منديل سعد وأبواب الجنة والمرأة التي تتوضأ بجوار القصر

وأخرج الإمام أحمد في صفة أدنى أهل الجنة منزلة "أن له من الحور العين اثنين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا" وأخرج الترمذي "إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم وثنتان وسبعون زوجة"

وظاهر الرواية الخامسة عشرة والثانية والعشرين والثالثة والعشرين والرابعة والعشرين والخامسة والعشرين أن النساء في الجنة أكثر من الرجال لكن يعارضه الحديث الصحيح "رأيتكن أكثر أهل النار" وأجيب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفي أكثريتهن في الجنة فيخرج على أن النساء أكثر ولد آدم لكن يشكل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر "اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنها النساء" قال المحققون يحتمل أن يكون الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار يلزم منه أن يكن أقل ساكني الجنة وليس ذلك بلازم قال الحافظ ابن حجر ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار بالشفاعة اهـ وهذا الاحتمال لا يدفع الإيراد فالنساء كذلك يخرجن من النار بالشفاعة وغيرها ولا ضير في أكثرية النساء في الجنة

والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015