الإنسان في دهشة وحيرة دقائق ثم يقرر ربما كان هذا ما حدث لكن ما القرار؟ كان من الممكن إيقاظ والديه فيشربا والإيقاظ في هذه الحالة لصالحهما فقد ناما طاويين بطونهما على جوع لكن المبالغة في الحفاظ على أحاسيسهما وراحتهما جعلته يرفض هذا القرار وكان من الممكن أن يسقي زوجته وولده نصيبهم من اللبن ويحتفظ بنصيب والديه وينام حتى يستيقظا ولا جناح عليه لكنه لا يجيز لنفسه أن يقدم زوجته وأولاده على أبيه وأمه حتى لو دعت الضرورة ذلك كما في هذه الحالة كما لا يجيز لنفسه أن ينام فيستيقظ أبواه ولو للحظات فلا يجدانه واقفا باللبن فيعودان إلى النوم بدون عشاء فالقرار أن يظل واقفا حاملا اللبن من مسائه حتى صباحه ضاربا بحاجة زوجته وبكاء أطفاله عرض الحائط حتى يناموا جائعين وحتى الصباح فيستيقظ أبواه فيشربان ورع وتقوى نادرة ورب الكعبة تستحق مكافأة كبرى من الكريم الذي قرن بر الوالدين بعبادته
الصورة الثانية قد نسمع برجل مؤمن دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين فيظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قد لا تكون له إربة في النساء وقد يكون حاكما لشهوته الجنسية من بعد وقد لا يكون هناك حب ورغبة بينه وبينها أما أن يكون محبا كأشد حب ساعيا بكل ما يستطيع للوصول باذلا كل ما في وسعه عاما كاملا يجري وراءها فإذا تمكن منها وجلس منها مجلس الرجل من المرأة واستسلمت له وكشفها قال إني أخاف الله رب العالمين فانصرف عنها ودفع لها كل ما جمعه من مال مائة وعشرين دينارا
تلك صورة نادرة يستحق صاحبها من الكريم الذي أمر بالعفة الإحسان والتقدير والإكرام
الصورة الثالثة قد نسمع بصاحب عمل يدفع للعامل ضعف أجره أو عشرة أمثال ما يستحق وأن يحتفظ له بأجره أمانة سنوات حتى يعود فيؤدي له أمانته أما أن يعمل له دون مقابل في هذا الأجر ويستثمره له مضحيا بأجر نفسه وقيامه على هذا الأجر ليتحول من حفنات أرز إلى كومة كبيرة ثم إلى شياه ثم إلى قطيع من البقر فيأتي العامل بعد سنوات يطلب حفنات الأرز فيسلمه قطيعا من البقر وعشرة آلاف درهم
أليست هذه الصورة أيضا صورة نادرة يستحق صاحبها ممن يضاعف الحسنات أضعافا كثيرة التقدير والنجدة والإحسان
بالصورة الأولى رفعت الصخرة بأمر ربها عن فم الغار ثلث الفتحة وبالصورة الثانية رفعت ثلثا آخر وبالصورة الثالثة رفع الكرب نهائيا
ألا نقرأ قوله تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} [الطلاق 2] وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "احفظ الله يحفظك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" آمنا بالله رب العالمين
-[المباحث العربية]-
(بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر) في الملحق الثاني للرواية "انطلق ثلاثة رهط