تأويل مصدر مجرور بالإضافة، وإذا رفعنا النفي والاستثناء كان التقدير: بين القوم وبين النظر إلى ربهم رداء الكبرياء. قال القرطبي في المفهم: الرداء استعارة كني به عن العظمة كما في الحديث الآخر "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري" وليس المراد الثياب المحسوسة، لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا متلازمين للمخاطب من العرب عبر عن العظمة والكبرياء بهما.

وقال عياض: استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه، وعظمته وهيبته وجلاله، لمانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها، استعار لذلك رداء الكبرياء. اهـ.

والمعنى أن مقتضى عزة الله واستغنائه ألا يراه أحد، لكن رحمته للمؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه كمالا للنعمة، فإذا زال المانع فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء، فكأنه رفع عنهم حجابا كان يمنعهم.

وقال ابن بطال: تأويل الرداء الآفة الموجودة للأبصار، المانعة لها من رؤيته، وسماها رداء لتنزلها في المنع منزلة الرداء الذي يحجب عن الرؤية.

(على وجهه) متعلق بمحذوف حال من "رداء الكبرياء".

(في جنة عدن) يقال: عدن في البلد يعدن ويعدن من باب ضرب ونصر أي أقام، فجنة عدن، أي جنة إقامة، وهو اسم لجنة خاصة من جنات الآخرة، والجار والمجرور "في جنة عدن" متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم، أي مستقرين في جنة عدن. قاله القرطبي، وقال الطيبي: "في جنة عدن" متعلق بمعنى الاستقرار في الظرف، وقال عياض: "في جنة عدن" راجع إلى الناظرين، أي وهم في جنة عدن، لا إلى الله فإنه لا تحويه الأمكنة سبحانه.

-[فقه الحديث]-

ظاهر الحديث أن جنتين من فضة لا ذهب فيهما، وجنتين من ذهب لا فضة فيهما، وهذا يعارض حديث أبي هريرة "قلنا يا رسول الله، حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال لبنة من ذهب، ولبنة من فضة" أخرجه أحمد والترمذي، وعند البزار "خلق الله الجنة، لبنة من ذهب، ولبنة من فضة".

ورفع هذا التعارض بأن حديث الباب في صفة ما في كل جنة من آنية وغيرها، وحديث الترمذي والبزار في صفة حوائط الجنان كلها. والله أعلم.

وقد يتمسك المجسمة بظاهر الحديث لذكر الرداء والوجه، لكن ثبت استحالة أن يكون سبحانه جسما أو حالا في مكان.

قال القاضي عياض: كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيرا، وهي أرفع أدوات بديع فصاحتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015