يرفع إليه عمل عباده على كثرتهم، وشتات أعمالهم، يرفع إليه عمل الليل عند انتهاء الليل، وعمل النهار عند انتهاء النهار، وهو أعلم بها قبل رفعها، ومن كان هذا شأنه وجبت مراقبته، وحقت عبادته، ولزم الخوف من عقابه.
وسع نوره السموات والأرض، حجب جلاله عن أبصار خلقه، لأنهم لا يقدرون على رؤيته، فعلى المؤمن أن يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه جل شأنه يرى جميع عباده، فلا ينبغي أن يراهم حيث نهاهم، ولا ينبغي أن يفقدهم حيث أمرهم.
{من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} [فصلت: 46].
-[المباحث العربية]-
(قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات) أي قام فينا متكلما بخمس كلمات، والمراد من الكلمة الجملة المترابطة في المعنى، فالكلمة الأولى "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام" والثانية "يخفض القسط ويرفعه" والثالثة "يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل" والرابعة "حجابه النور أو النار" والخامسة "لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
والكلمات الأربع في الرواية الثانية كانت بضم الرابعة والخامسة في كلمة واحدة، والأربع في الرواية الثالثة محذوفة الكلمة الرابعة سقطا من الراوي.
(إن الله عز وجل لا ينام) أي بالفعل، فإن النوم انغمار وغلبة على العقل يسقط به الإحساس.
(ولا ينبغي له أن ينام) أي بالاحتمال، فإن النوم مستحيل في حقه جل شأنه.
(يخفض القسط ويرفعه) قال ابن قتيبة: القسط الميزان، وسمي قسطا لأن القسط العدل، وبالميزان يقع العدل، والمراد أن الله تعالى يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة، ويوزن من أرزاقهم النازلة، وهذا تمثيل لما يقدر تنزيله، فشبه بوزن الميزان. اهـ.
وقيل: المراد بالقسط الرزق الذي هو قسط كل مخلوق يخفضه فيقتره، ويرفعه فيوسعه، وهذا القول أوضح وأقرب. والله أعلم.
(يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل) أي يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذي بعده، وعمل النهار قبل عمل الليل الذي بعده.
(حجابه النور) الحجاب في اللغة المانع والساتر، وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام