317 - عن عبد الله بن شقيق. قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته. فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبو ذر: قد سألت فقال: "رأيت نورا".
-[المعنى العام]-
شغل موضوع رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء أذهان كثير من الصحابة والتابعين والعلماء والفقهاء والمحدثين فترة طويلة من الزمن، فقد لقي ابن عباس كعبا بعرفة، فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نقول: إن محمدا رأى ربه مرتين، فكبر كعب، ورفع صوته بالتكبير حتى جاوبته الجبال، ثم قال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد، فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين.
وعلمت عائشة بهذا الرأي، وهي تعتقد نقيضه، فأخذت تعلن: من حدث أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الكذب والافتراء.
وأصبح الباحثون وراء الحقيقة في حيرة من الأمر، مرة يذهبون إلى ابن مسعود وأخرى إلى أبي ذر، وثالثة إلى ابن عباس، ورابعة إلى عائشة، وهكذا، وممن لجأ إلى عائشة مسروق بن الأجدع المكنى بأبي عائشة التابعي الفقيه الزاهد، وكان قاضيا بالكوفة، لا يأخذ على القضاء رزقا، وكان يحب عائشة حتى اتهم بالتباطؤ عن علي في حروبه، رحل من الكوفة إلى عائشة بالمدينة ليسمع رأيها في الموضوع، فسلم من وراء حجاب، ثم جلس واتكأ، ثم قال: يا أماه. هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقالت له: سبحان الله، لقد اقشعر جلدي، واهتز شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث، من حدث بهن فقد كذب، من حدث أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، لأن الله يقول: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] أي لا يراه ولا يحيط به أحد من خلقه، ويقول: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: 51] أي لا يكلم الله بشرا من خلقه إلا على حالة من هذه الحالات فكيف يراه محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أوحي إليه ولم يبلغه للأمة فقد كذب لأن الله يقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} [المائدة: 67] ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم عتاب الله له في قوله: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37] ومن حدثك أن محمدا يعلم ما في غد فقد كذب، لأن الله يقول: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا} [لقمان: 34].