(فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فأبطأ عليه فلعنه فلما أصبح قالت له أم الدرداء سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته) أي فقال نعم وهذه الواقعة حصلت في بيت عبد الملك بن مروان في الشام والخادم يطلق على الذكر والأنثى وكان هنا أنثى فعند أحمد "كان عبد الملك بن مروان يرسل إلى أم الدرداء فتبيت عند نسائه ويسألها عن النبي صلى الله عليه وسلم فقام ليلة فدعا خادمته فأبطأت عليه فلعنها" والمعنى أنه أرسل إليها الهدية ودعاها أن تبيت عنده مع نسائه وكانت قد بلغت من الكبر عتيا فقد ماتت في خلافة عثمان
(لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة) قال النووي معناه لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار و"لا شهداء" فيه ثلاثة أقوال أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات
والثاني لا يكونون شهداء في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم لفسقهم
والثالث لا يرزقون الشهادة وهي القتل في سبيل الله
-[فقه الحديث]-
إنما منعت الناقة الملعونة من المصاحبة زجرا لصاحبتها ولغيرها فقد ثبت أنه قد سبق نهيها ونهي غيرها عن لعن الحيوان فعوقبت بإرسال الناقة والمراد النهي عن مصاحبة هذه الناقة في الطريق وأما بيعها وذبحها وركوبها في غير مصاحبته صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من التصرفات التي كانت جائزة قبل هذا فهي باقية على الجواز لأن الشرع إنما ورد بالنهي عن المصاحبة فبقي الباقي كما كان قاله النووي
وقال عن حديث "لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا" فيه الزجر عن اللعن وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد عن رحمة الله تعالى وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضا وكالجسد الواحد وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه فمن دعا علي أخيه المسلم باللعنة وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو من نهاية المقاطعة والتدابر وهذه غاية ما يوده المسلم للكافر ولهذا جاء في الحديث الصحيح "لعن المؤمن كقتله" لأن القاتل يقطعه عن منافع الدنيا وهذا يقطعه عن نعيم الآخرة وعن رحمة الله تعالى
ثم قال وهذا الذم في الحديث إنما هو لمن كثر من اللعن لا لمرة ونحوها ولأنه يخرج عنه أيضا اللعن المباح وهو الذي ورد الشرع به وهو "لعنة الله على الظالمين" "لعن الله اليهود والنصارى" "لعن الله الواصلة والمستوصلة" "لعن الله شارب الخمر" "وآكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه" "لعن الله المصورين" "لعن الله من انتمى إلى غير أبيه وتولى غير مواليه" "وغير منار الأرض"
وغيرها مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة.