وقال قائلهم أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب جاء الإسلام إلى هذه البيئة المتناحرة المفككة فغرس فيها عناصر الترابط وأول هذه العناصر وأقواها تأثيرا التراحم والتعاطف والتوادد فأكثر من الدعوة إلى التراحم بأساليب مختلفة
"من لا يرحم لا يرحم" "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" "ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء" "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" "من لم يرحم الناس لم يرحمه الله"
وأكثر من الدعوة إلى التعاون {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة 2]
"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"
"مثل المؤمنين كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى اشفعوا تؤجروا"
واستجاب المسلمون لتوجيهات شريعتهم فأحب بعضهم بعضا وعطف بعضهم على بعض وأعان بعضهم بعضا حتى نزل فيهم قوله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} [أل عمران 103] بل بلغوا وبالغوا درجة إيثار بعضهم على أنفسهم حتى نزل فيهم قوله تعالى {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر 9]
-[المباحث العربية]-
(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) "أل" في "المؤمن" للجنس والإخبار عما ينبغي أن يكون عليه كل مؤمن مع كل مؤمن لا عن الواقع ويحتمل أن يكون إخبارا عن الواقع و"أل" في المؤمن الأول للكمال أي المؤمن الكامل هو الذي يشد ويساعد ويعاون المؤمن والأول أظهر لأن البنيان يشد كل لبنة فيه الأخرى
قال الحافظ ابن حجر اللام فيه للجنس والمراد بعض المؤمنين للبعض وقوله "يشد بعضه بعضا" بيان لوجه التشبيه وقال الكرماني نصب "بعضا" بنزع الخافض وقال غيره بل هو مفعول "يشد" وكلاهما صحيح والثاني أظهر زاد البخاري "ثم شبك بين أصابعه" وهو بيان لوجه التشبيه أيضا أي يشد بعضهم بعضا مثل هذا الشد مبالغة في بيان الأقوال عن طريق الحركات لتكون أوقع في نفس السامع
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وفي الرواية الرابعة "المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله" وعند البخاري "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم" والتواد بتشديد الدال أصله التوادد فأدغم وهو من المودة والود والوداد بمعنى وهو تقرب شخص من آخر بما يحب