والظاهر أن الرواية العاشرة والرواية الحادية عشرة ليستا عن ليلة الإسراء فإن رؤية النبي لموسى -عليهما الصلاة والسلام- كانت بالمسجد الأقصى وبالسماء السادسة، ولم يرد أنه رآه ليلة الإسراء بوادي الأزرق، وربما بدا للإمام مسلم أن يسوق هاتين الروايتين في حديث عن الإسراء لمجرد أنهما تتحدثان عن موسى كما تتحدث أحاديث الإسراء، كما ساق الرواية الخامسة عشرة والسادسة عشرة عن عيسى والدجال لمجرد أنهما تتحدثان عن عيسى كما تتحدث أحاديث الإسراء، وكما سيسوق أحاديث رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة وكلامهم معه جل شأنه بمناسبة أحاديث رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء وتكليمه إياه.

وبعيد عندي أن يقال: إن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لموسى في وادي الأزرق ولعيسى يطوف بالبيت وقعتا ليلة الإسراء، وأن التحديث عنهما تأخر للمناسبة، فإن الروايات في ذلك ليس فيها ما يربطها بالإسراء، ولم يرد في الأحاديث الصحيحة أنه رأى يونس على هذه الحال ليلة الإسراء، وليست هناك ضرورة لتمحل ربطها به.

وقد أورد الإمام النووي نقلا عن القاضي عياض إشكالا وأجوبة للإشكال على هاتين الروايتين، ولفظه، قال: فإن قيل: كيف يحجون ويلبون وهم أموات وهم في الدار الآخرة وليست دار عمل؟

قلنا: إن للمشايخ وفيما ظهر لنا عن هذا أجوبة:

أحدها: أنهم كالشهداء، بل هم أفضل منهم، والشهداء أحياء عند ربهم، فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا، وأن يتقربوا إلى الله تعالى بما استطاعوا، لأنهم وإن كانوا قد توفوا فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل، حتى إذا فنيت مدتها، وتعقبتها الآخرة التي هي دار الجزاء انقطع العمل.

(وهذا الجواب عندي بعيد عن القبول، فإن القرآن الكريم بين نشاطهم ومظاهر حياتهم عند ربهم بأنهم "يرزقون" {فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} [آل عمران: 170] وليس فيها أنهم يعملون ويصلون ويحجون، وليس في حديث صحيح ما يثبت قيام الشهداء بالأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا، بل لهم أجرها بدون عمل إن أراد الله لهم استمرار الأجر.

بل في الأحاديث الصحيحة ما يفيد انقطاع الأعمال البدنية بالانتقال من هذه الحياة، كقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

ثانيها: أن عمل الآخرة ذكر ودعاء، قال تعالى: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام} [يونس: 10] (ولست أرى هذا جوابا عن الإشكال القائل: كيف يحجون ويلبون وهم أموات؟ والمعروف أن الذكر والدعاء في الدار الآخرة للتمتع والتلذذ لا للعبادة والتقرب، فلا ارتباط بين هذا الجواب وذاك الإشكال).

ثالثها: أن تكون هذه رؤيا منام في غير ليلة الإسراء، أو في بعض ليلة الإسراء كما في رواية ابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015