ديماس" - يعني حماما - وفي الخامسة عشرة "أراني ليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم، كأحسن ما أنت راء من آدم الرجال، له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها، فهي تقطر ماء، متكئا على رجلين، أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت، فسألت: من هذا؟ فقيل: هذا المسيح ابن مريم".
ومن مجموع الروايات تبرز صورة عيسى عليه السلام، رجلا ليس بالطويل المفرط في الطول، وليس بالقصير الواضح القصر، جعد الجسم مكتنزه ممتلئه، ليس بالهزيل النحيل، وليس بالغليظ البطين، رجل يميل إلى الحمرة والبياض، أكثر مما يميل إلى الأدمة والسمرة، نضر الوجه، كأنما خرج لساعته من حمام، له شعر يتدلى، يجاوز شحمة الأذنين، قد رجله وسرحه ترجيلا حديثا، كأنه يقطر ماء، لقرب عهده بالغسيل والنظافة.
وليس اتكاؤه على عواتق رجلين علامة على شيخوخته وضعفه، بل كثيرا ما يكون هذا الوضع من أوضاع الاحترام والتكريم.
وأما طواف عيسى عليه السلام فإن كانت الرؤيا رؤيا منام فلا إشكال وإن كانت رؤيا عين فعيسى حي لم يمت. فلا امتناع من طوافه حقيقة، قاله القاضي عياض رحمه الله.
وسيأتي مزيد إيضاح لهذه النقطة، وارتباطها بالإسراء قريبا عند الكلام عن تلبية موسى عليه السلام.
أما الكلام عن موسى عليه الصلاة والسلام فقد ذكر في الروايات بإسهاب يفوق كل ما ذكر عن سائر الأنبياء، مرة بالوصف الجسمي، ومرة ببيان الحال، ومرة بالمحادثة والمراجعة.
ففي الرواية الثامنة "موسى آدم" أي أسمر "طوال" أي طويل "كأنه من رجال شنوءة" المشهورين بالترفع عن الأدناس، وفي الرواية التاسعة "جعد" أي ممتلئ الجسم، وفي الرواية الرابعة عشرة، "رجل الرأس" أي مرجل شعر الرأس مسرحه، وفي الثالثة عشرة "فإذا موسى ضرب من الرجال" أي رجل بين الرجلين في كثرة اللحم وقلته.
وفي الرواية السابعة "فأتيت على موسى .. فلما جاوزته بكى فنودي: ما يبكيك؟ قال: رب. هذا غلام بعثته بعدي، يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي".
وفي رواية للبخاري "فقال موسى: رب، لم أظن أن يرفع علي أحد".
وفي حديث أبي سعيد "قال موسى: يزعم بنو إسرائيل أني أكرم على الله. وهذا أكرم على الله مني" وفي رواية "ولو كان هذا هو وحده هان علي ولكن معه أمته، وهم أفضل الأمم عند الله" وفي رواية "أنه مر بموسى عليه السلام، وهو يرفع صوته، فيقول: أكرمته وفضلته؟ . فقال جبريل: هذا موسى. قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك. قلت: ويرفع صوته على ربه؟ قال إن الله قد عرف له حدته".
قال الحافظ ابن حجر: قال العلماء: لم يكن بكاء موسى حسدا. معاذ الله. فإن الحسد في ذلك