ولا خلفا، بل اجعل وجهك إلى الأمام دائما، ويلزمه الإقدام وعدم التراجع والثبات، فالكلام على الحقيقة، الثاني أن المراد الحث على الإقدام والمبادرة، وعدم التشاغل بغير ما توجه له، فالكلام على سبيل الكناية، التي هي لفظ أطلق وأريد لازم معناه مع صحة إرادة المعنى الأصلي وحمله بعضهم على الكناية البعيدة على معنى: لا تنصرف عن القتال بعد لقاء عدوك براحة أو توقف أو هدنة حتى يفتح الله عليك فقد كانت الأيام الأولى من القتال قبل تسلم علي الراية مناوشات يرجع المسلمون بعدها إلى عسكرهم ويرجع أهل خيبر إلى حصونهم.
وقد حمله علي رضي الله عنه على الحقيقة، ولم يتلفت بوجهه إلى الخلف نحو الرسول صلى الله عليه وسلم حين احتاج لسؤاله، بل سأل سؤاله بدون مواجهة.
(قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا، بماء يدعى "خما" بين مكة والمدينة) "خما" بضم الخاء وتشديد الميم، وهو اسم لغيضة أي لمكان يكثر فيه الشجر، على ثلاثة أميال من المكان الذي يسمى الحسنة، وعنده غدير غير مشهور، يضاف إلى الغيضة، فيقال: غدير خم.
(وأنا تارك فيكم ثقلين) بفتح الثاء والقاف، أي أمرين ثقيلين عظيمين، شأنهما كبير، والعمل بهما ثقيل.
(كتاب الله ... وأهل بيتي) في الرواية السابعة "أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر وآل عباس" وفي الرواية الثامنة "فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا. وايم الله! إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر" أي الزمن القصير من الزمن الطويل، ثم يطلقها، فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته، الذين حرموا الصدقة بعده".
قال النووي: هاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: "نساؤه لسن من أهل بيته فتتأول الرواية الأولى على أن المراد أنهن من أهل بيته الذين يساكنونه ويعولهم، وأمر باحترامهم وإكرامهم، وسماهم ثقلا ووعظ في حقوقهم وذكر، فنساؤه داخلات في هذا كله، ولا يدخلن فيمن حرم الصدقة قال: وقد أشار إلى هذا في الرواية الأولى بقوله "نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة" فاتفقت الروايتان اهـ. وحاصل التوفيق والجمع، أن نساءه رضي الله عنهن من أهل بيته من جهة الاحترام والتقدير، وليس من أهل بيته من جهة تحريم الصدقة عليهم، ففي الإثبات تراد جهة وفي النفي تراد أخرى. وسيأتي خلاف الفقهاء في تحديد أهل بيته صلى الله عليه وسلم.
(فأمره أن يشتم عليا) أي يسب عليا رضي الله عنه باسمه.
(فقال له: أما إذا أبيت فقل: لعن الله أبا التراب) أي حيث أبيت سبه باسمه، فسبه بكنيته "أبى التراب" ويلمحون بذلك إلى تنقيصه بهذه الكنية، فكان الرد عليهم:
(ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دعي بها) وفي رواية "وما سماه أبا تراب إلا النبي صلى الله عليه وسلم "وأطلق كلمة "اسم" وأراد بها الكنية "وإن" في قوله "وإن كان ليفرح" مخففة من الثقيلة.